أبعاد

مفاتيح التكليف بين إيران والمالكي.. هل يشكّل السوداني الحكومة العراقية الجديدة؟

أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، الأربعاء الماضي، فوز ائتلاف “الإعمار والتنمية” الذي يقوده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالمركز الأول، بحصوله على 46 مقعدًا في البرلمان، من دون أن يعني ذلك بالضرورة عودته إلى منصبه.

ووصل السوداني إلى رئاسة الحكومة عام 2022 بعد جمود استمرّ أكثر من عام، نتيجة خلافات سياسية بين التيار الصدري و”الإطار التنسيقي” صاحب أكبر كتلة برلمانية حاليًا.

وتنافس أكثر من 7740 مرشحًا، ثلثهم تقريبًا من النساء، على 329 مقعدًا لتمثيل أكثر من 46 مليون نسمة. ومن بين المرشحين 75 مستقلًا، بينما ينتمي الباقون إلى التحالفات والأحزاب السياسية الكبيرة في البلاد.

السوداني يدلي بصوته في الانتخابات التشريعية التي شهدت إقبالاً أفضل من سابقتها – غيتي

وهذه الانتخابات هي السادسة منذ الغزو الأميركي الذي أطاح نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003.

وعلى خلاف انتخابات عام 2021، شهدت انتخابات هذا العام إقبالًا ملحوظًا بنسبة 56.11%، مقارنة بنسبة 41% في الانتخابات السابقة.

وتُعدّ هذه النسبة مرتفعة ومفاجئة، خاصة بعد مقاطعة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للانتخابات، ما يعني أن تأثيره بات يقتصر على أنصاره.

وكان الصدر قد فاز في انتخابات 2021 بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (73 مقعدًا)، لكنه انسحب منه جرّاء خلافات مع “الإطار التنسيقي” الذي يضمّ الأحزاب الكبرى حول تشكيل الحكومة.

قاطع التيار الصدري الانتخابات التشريعية هذا العام – غيتي

السوداني وتشكيل الحكومة العراقية: معضلة التكليف

تنطلق مرحلة اختيار رئيس الوزراء الجديد بعد انتخاب البرلمان، ويُكلّف رئيسُ الجمهورية، الذي يسمّيه البرلمان، رئيسًا للحكومة يكون مرشح “الكتلة النيابية الأكبر عددًا” وفق الدستور.

وفي ظلّ استحالة حصول أي طرف على أغلبية مطلقة، يقوم أيّ ائتلاف قادر على التفاوض مع الحلفاء وتشكيل الكتلة الأكبر بترشيح رئيس الحكومة المقبل.

تصدر ائتلاف السوداني لا يعني تلقائيًا بقاءه في رئاسة الحكومة، فمفاتيح التكليف الفعلية ما زالت بيد الإطار التنسيقي.

وشهدت تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة عقب الانتخابات في السنوات الماضية كثيرًا من التعقيدات، واستغرق التوافق حول ذلك أشهُرًا عدة.

ورغم خوضها الانتخابات بشكل منفصل، يُتوقّع أن تتّحد الأحزاب الشيعية المنضوية ضمن “الإطار التنسيقي” بعد الاقتراع لتشكيل أكبر كتلة برلمانية.

 

كلمة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إثر صدور نتائج الانتخابات

الإطار التنسيقي.. اللاعب الأقوى في تشكيل الحكومة

تشكل “الإطار التنسيقي” بعد انتخابات 2021، ويضمّ الأحزاب الشيعية البارزة التي تربطها بإيران علاقات متفاوتة المستوى. وأصبح الإطار منذ ذلك الوقت القوة الأكبر في البرلمان، لامتلاكه أكبر الكتل البرلمانية.

ورغم أن أحزاب “الإطار التنسيقي” خاضت الانتخابات الأخيرة بشكل منفصل، فإن من المرجح أن تتّحد لتشكيل الحكومة المقبلة.

في العراق ما بعد الانتخابات، تُقاس موازين القوى بحجم الكتل والتحالفات أكثر مما تُقاس بعدد الأصوات. ولذلك، فإنّ شعبية السوداني في الشارع لا تكفي وحدها لحسم معركة التكليف. 

والقوائم التي خاضت الانتخابات تحت مظلة “الإطار التنسيقي” هي:

  • ائتلاف “الإعمار والتنمية” بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
  • ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
  • تحالف “قوى الدولة الوطنية” بزعامة رجل الدين عمار الحكيم، الذي يقود المعسكر الشيعي المعتدل.
  • حركة “الصادقون” التي يتزعمها قيس الخزعلي، زعيم فصيل “عصائب أهل الحق”.
  • • منظمة “بدر” بزعامة هادي العامري.
  • حركة “حقوق” المقرّبة من كتائب حزب الله العراقي.

ورغم أن قائمة رئيس الوزراء السوداني حازت عددًا أكبر من المقاعد مقارنة ببقية قوائم الأحزاب المنضوية في “الإطار التنسيقي” منفردة، فإن حظوظه في ولاية ثانية تبقى ضعيفة، نظرًا إلى عدم قدرته على قيادة الكتلة الأكبر في البرلمان، وهي الكتلة التي يُكلّف زعيمها بمنصب رئيس الوزراء.

ويعود ذلك إلى تنافسه المباشر مع نوري المالكي، الذي بدأ السوداني مسيرته السياسية عام 2010 في حكومته.

المالكي والسوداني.. صراع النفوذ داخل البيت الشيعي

حاز السوداني نحو 45 مقعدًا في البرلمان، بينما حصل خصومه في “دولة القانون” و”الصادقون” و”بدر” وتحالف “قوى الدولة” على أكثر من 90 مقعدًا.

وبحسب مصادر إعلامية، فإن خصوم السوداني في “الإطار التنسيقي” رفعوا مستوى التنسيق فيما بينهم بهدف منعه من تشكيل الحكومة الجديدة.

تحوّل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إلى “صانع الملوك” في العراق – غيتي

ولإيران نفوذ كبير في العراق منذ الغزو الأميركي، من خلال الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة التي تدين لها بالولاء.

ومنذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأ نفوذ طهران في المنطقة بالتراجع، وخسرت حليفها في سوريا، بشار الأسد، الذي أطاحت به المعارضة المسلحة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.

كما فقدت حليفها القوي في لبنان، الأمينَ العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، كما أدّت الضربات الإسرائيلية العنيفة على لبنان إلى إضعاف حزب الله نفسه الذي كان يشكّل العمود الفقري لمحور المقاومة.

النفوذ الإيراني في العراق.. اختبار ما بعد الانتخابات

وتسعى طهران، التي تعرضت منشآتها النووية لضربات جوية نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة، إلى الحفاظ بأي ثمن على نفوذها في العراق، خاصة أن الفصائل الموالية لها هناك لم تتعرّض لضربات أميركية، بينما ما تزال القوى السياسية المرتبطة بها تمتلك الحصة الأكبر في بنية السلطة العراقية.

لكنّ اتباع السوداني سياسة أكثر توازنًا بين طهران وواشنطن أثار قلق أطراف داخل “الإطار التنسيقي” ترى أن ذلك يحدّ من نفوذ إيران.

خامنئي خلال استقبال السوداني بطهران في يناير الماضي – غيتي

وتفيد تسريبات إعلامية بأن أحزاب الإطار منقسمة بشأن التجديد للسوداني، وأن غالبية قياداته لا ترغب في ترشيحه، ما يفتح الباب أمام تكرار سيناريو إياد علاوي، الذي فاز ائتلافه بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات عام 2010، بينما ذهب منصب رئيس الوزراء إلى نوري المالكي الذي حلّ ثانيًا بعد شهور من التجاذبات السياسية.

وتولّى السوداني رئاسة الوزراء عام 2022 بعد التوصل إلى توافق سياسي أنهى ذلك الانسداد الطويل بين التيار الصدري و”الإطار التنسيقي”، عقب أشهر من التعثّر في اختيار مرشح بديل.

محمد شياع السوداني.. جيل جديد من القادة العراقيين

وُلد السوداني في مارس/ آذار 1970 في بغداد لعائلة تنحدر من محافظة ميسان جنوبي العراق.

وعندما كان في التاسعة من عمره، أعدم حزب البعث والده وعددًا من أقاربه لانتمائهم إلى حزب الدعوة الإسلامية المحظور. ورغم ذلك، درس السوداني العلوم الزراعية في جامعة بغداد، وحصل على الماجستير في إدارة المشاريع، وعمل مشرفًا زراعيًا في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.

يمثل السوداني جيلا جديدا من القادة العراقيين ممن لم يحملوا جنسية أخرى – غيتي

وينتمي السوداني، وسلفه مصطفى الكاظمي، إلى جيل جديد من الساسة العراقيين يتميّز بصِغر السن وعدم التورّط المباشر، بحكم العمر، في صراعات ما قبل الغزو الأميركي. وهو من بين قلّة من السياسيين العراقيين الذين لم يغادروا البلاد ولم يحملوا جنسية أخرى.

تولّى السوداني بعد الغزو الأميركي عدة مناصب، من بينها رئاسة بلدية وعضوية مجلس محلي ومحافظ ووزير مرتين قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء. ومن المناصب التي شغلها قائمقام في ميسان، ثم محافظًا لها، إضافة إلى تولّيه وزارات حقوق الإنسان والشؤون الاجتماعية والصناعة في حكومات نوري المالكي.

يتقدم السوداني في صناديق الاقتراع، لكنه يواجه معركة أشد تعقيدًا على طاولة التفاوض. فطموحه لولاية ثانية يصطدم بجدار تنافس شرس داخل البيت الشيعي نفسه.

ورُشّح السوداني لرئاسة الوزراء في عامي 2018 و2019، كما طُرح اسمه للمنصب عام 2022، ما أدّى إلى خروج تظاهرات ضخمة لأنصار التيار الصدري الذين اقتحموا البرلمان واعتصموا لأكثر من شهر، رفضًا لترشيحه باعتباره جزءًا من الطبقة السياسية المتهمة بالفساد.

لكنّه فاز في نهاية المطاف برئاسة الوزراء عام 2022 بعد ترشيحه من “الإطار التنسيقي”، خلفًا لمصطفى الكاظمي، الصحافي ورئيس المخابرات السابق، الذي وصل إلى السلطة عقب احتجاجات 2019 الواسعة ضد الفساد وسوء الإدارة.

كيف بنى السوداني شعبيته في العراق؟

ركّزت حملة السوداني الانتخابية الأخيرة على مواصلة تحسين الخدمات الأساسية للمواطنين، وإصلاح النظام المالي، وزيادة إنتاج الكهرباء.

وخلال ولايته، وظّف مئات الآلاف من العراقيين في القطاع العام، وتوسّع في بناء الطرق والجسور والمساكن، ما جعل شعبيته ترتفع في الشارع العراقي.

يحظى السوداني بشعبية في صفوف الشبان لتوظيف الآلاف منهم في القطاع العام – غيتي

ورغم تقديم نفسه كزعيم قادر على إقامة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة وإيران، يرى منتقدوه أنه عزّز نفوذ بعض الفصائل الأكثر تشدّدًا من خلال توظيف عشرات الآلاف من أنصارها، وإنشاء شركة حكومية تديرها تلك الفصائل بصلاحيات واسعة للحصول على العقود الحكومية في قطاعات مختلفة.

كما اتهمته منظمات حقوقية بتقييد حرية التعبير، وعدم اتخاذ خطوات جدية لتعزيز المساءلة في ملف الفساد. وفي العام الماضي، أثارت مزاعم تجسّس موظفين في مكتبه على مسؤولين كبار جدلًا واسعًا، وهو ما نفاه السوداني والمقربون منه.

نوري المالكي.. رجل إيران وصانع الملوك

في مقابل السوداني الذي حاول أن ينتهج علاقات أكثر توازنًا مع طهران، يُعتبر نوري المالكي أكثر رؤساء الوزراء العراقيين بعد 2003 ارتباطًا بإيران. ويُعتقد أنه خيارها الأول إذا قررت عدم التراجع والتمسّك بنفوذها في العراق.

ويُوصف المالكي، الذي شغل رئاسة الوزراء لولايتين (من 2006 إلى 2014)، بـ”صانع الملوك” في العراق، وما زال يتمتع بنفوذ كبير في المشهد السياسي، خاصة بصفته زعيم ائتلاف “دولة القانون”.

يوصف المالكي بـ”صانع الملوك” في بغداد، لكنه هذه المرة شريك مباشر في تحديد مصير السوداني السياسي.

وُلد المالكي عام 1950 في قرية جناجة جنوبي العراق، لأب كان قوميًا عروبيًا وجدّ كان مناوئًا للاستعمار البريطاني. 

وخلال حكم البعث في العراق، اعتُقل المالكي لفترة وجيزة عام 1979 قبل أن يفرّ إلى خارج البلاد، حيث عاش نحو 25 عامًا في سوريا وإيران، ولم يعد إلى بغداد إلا بعد الغزو الأميركي عام 2003.

المالكي يوقع الأمر بإعدام صدام حسين في ديسمبر 2006 – غيتي

وبعد عودته، تولّى منصب نائب رئيس لجنة اجتثاث البعث، ثم وقّع لاحقًا أمر إعدام صدام حسين بالحبر الأحمر.

ورغم أنه لم يكن شخصية معروفة على نطاق واسع قبل الغزو، تم التوافق عليه لقيادة الحكومة الائتلافية عام 2006.

وشهدت سنوات حكمه تصاعدًا حادًا في الانقسام الطائفي، وشنّ حملة عسكرية على الأنبار ذات الغالبية السنية، واتُّهم بتهميش السنّة واستهدافهم. ويقول منتقدوه إن سياساته دفعت قطاعات واسعة من السنّة إلى أحضان “تنظيم الدولة”.

واضطر المالكي إلى مغادرة منصبه عام 2014 بعد الانهيار السريع لقوات الأمن أمام تقدّم تنظيم الدولة، وفي عام 2015، دعت لجنة برلمانية عراقية إلى محاكمته وعدد من كبار المسؤولين بسبب سقوط الموصل في يد التنظيم.

lthjdp hgj;gdt fdk Ydvhk ,hglhg;d>> ig da;Rg hgs,]hkd hgp;,lm hguvhrdm hg[]d]m?

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعفُ عني