ألغام وعقبات تُحيط بالقرار الأميركي بشأن غزة.. ما هي خيارات الفصائل للتعامل معه؟

بعد أسابيع من مشاورات دبلوماسية مكثفة، أقرّ مجلس الأمن الدولي أخيرًا مشروع القرار الأميركي الداعم لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار في غزة، والمُكوّنة من عشرين نقطة.
وصوّت ثلاثة عشر عضوًا لصالح القرار، فيما امتنعت روسيا والصين عن التصويت، في مشهد لم يحمل مفاجآت كبيرة، خصوصًا بعد البيان العربي- الإسلامي الذي أيد المشروع.
وبينما رحّبت السلطة الفلسطينية بهذا التطور، اعتبرت أنّ القرار يُرسّخ وقفًا دائمًا وشاملًا لإطلاق النار.
في المقابل، جاء موقف الفصائل الفلسطينية أكثر تشددًا ورفضًا للقرار، إذ قالت إنّه لا يستجيب لشروط الحد الأدنى وطنيًا، وإنّ أي ترتيبات دولية لا تنهي الحرب ولا تضمن انسحاب قوات الاحتلال تبقى غير ملزمة للشعب الفلسطيني.
كما أكدت أنّ وجود أي قوة دولية يجب أن يخضع حصرًا لولاية الأمم المتحدة وبالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية، مشددة على ضرورة ضمان آليات محاسبة الاحتلال
ورغم تقاطع رأيها مع موقف الفصائل الفلسطينية، إلا أنّ المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عبّر في مقابلة مع “التلفزيون العربي” عن استعداد للتعامل مع القرار بواقعية سياسية، وبما يخدم المصلحة العليا للفلسطينيين.
وتجنّب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التعليق على القرار، مكتفيا بالإشادة بالرئيس الأميركي دونالد ترمب.
“القرار مليء بالألغام”
وضمن هذا السياق، قال الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، إنّ “الدول التي أيّدت هذا المشروع مدفوعون بمنع تجدّد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل، معربًا عن اعتقاده أنّ موضوع استئناف الحرب استُخدم “أداة ابتزاز للأطراف العربية ولتمرير هذا القرار”.
وقال البرغوثي في حديث إلى” التلفزيون العربي” من رام الله: “القرار مليء بالألغام الخطيرة، لا أحد يستطيع إنكار ذلك، من ضمنها أنّه يتضمّن فرض وصاية على الفلسطينيين ليس فقط في قطاع غزة، بل حتى على السلطة الفلسطينية نفسها. وهذا يُعيدنا سنوات إلى الوراء بعد أن انتزع الفلسطينيون الاعتراف بحقّهم في دولة، وحقّهم في تمثيل أنفسهم، وحقّهم في تقرير المصير”.
وتابع “المشكلة الثانية تتعلّق بالقوة العسكرية التي يُجرى الحديث عنها من قوة الاستقرار الأمني؛ والتي تحوّلت الآن إلى قوة تنفيذية، وليس كما يُطالب الفلسطينيون بأن تكون قوة فصل سلام تضمن إخراج القوات الإسرائيلية بالكامل من قطاع غزة.
وقال: “موعد انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة في هذا الاتفاق غير واضح، وفي رأيي لا يضمنه”.
ونوّه البرغوثي “إلى أنّ القرار أغفل تمامًا ما يحدث في الضفة الغربية وما تتعرّض له من إرهاب مستوطنين”.
وأشار البرغوثي إلى أنّ القرار واضح في معظم الأمور، إلا قضية واحدة غامضة، وهي حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية.
واعتبر البرغوثي، أنّ الحديث عن “مسار هذه القضية وهم جديد يُعيد تكرار أوهام اتفاق أوسلو، الذي دام 33 عامًا وأدى إلى انتشار نحو 850 ألف مستوطن يتصرّفون كعصابات إرهابية في الضفة الغربية ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلّة.
وعن موضوع الإصلاح الذي ذكره القرار، سأل البرغوثي: “هل يدور الحديث عن إصلاح ديمقراطي بحيث يكون لدى الفلسطينيين انتخابات حرة كما تُطالب الولايات المتحدة في فنزويلا أو بلدان أخرى؟ الإصلاح الذي يتحدثون عنه هو تحويل السلطة الفلسطينية إلى وكيل أمني كامل لإسرائيل، وفرض شروط ووصاية على السلطة الفلسطينية، وهذا أمر مهين للشعب الفلسطيني”.
وأضاف: “ما يدور الحديث عنه، هو تغيير المناهج الفلسطينية، وتغيير السردية الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين على التنكّر لتاريخهم ولقضيتهم ووجودهم على هذه الأرض، والتنكّر لحقوق الأسر والأسيرات وعائلات الشهداء”.
صلاحية قانونية
من جانبه، قال الدكتور إبراهيم الخطيب، أستاذ إدارة النزاع بمعهد الدوحة للدراسات العليا والخبير في الشؤون الإسرائيلية “الواقع الفلسطيني مركب جدًا بسبب الحرب على قطاع غزة، والفلسطينيون عانوا على مدار عامين دون نصير يدافع عنهم أو يوقف الحرب. وبالتالي، الواقع الفلسطيني صعب للغاية بفعل الحرب الإسرائيلية وعدم وجود أي دعم واضح لإيقافها خلال السنتين الماضيتين”.
وأضاف الخطيب في حديث إلى “التلفزيون العربي” من لوسيل: “الأمر الآن مُرتبط بالإرادة الأميركية وسبل الضغط العربي على الولايات المتحدة لضمان تنفيذ اتفاق يُحقّق انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من قطاع غزة، والذهاب قدمًا نحو دولة فلسطينية وحق تقرير المصير”.
وأردف: “هذا الأمر غير واضح حاليًا، ويرتبط بحجم الضغط الذي يُمكن أن تُمارسه الدول العربية على واشنطن لإحقاق ذلك، وهو ما سنراه في الأيام القادمة”.
واعتبر الخطيب أنّ الصياغة الحالية للقرار تتعلّق بعدة أمور، منها نقاش موضوع السلاح.
لكن يبقى السؤال الأساسي: من سيقوم بنزع السلاح؟ كيف ستُجمع الأسلحة؟ هل ستكون القوات الدولية، التي تمّ الإشارة إليها من دول عربية وإسلامية هي من تواجه الفلسطينيين في قطاع غزة وتنفذ نزع السلاح؟
وقال:”لم يتحدّث القرار عن تحقيق دولة فلسطينية فعلية، إذ أنّ إمكانية الذهاب نحو دولة فلسطينية وحق تقرير المصير غير واضحة، وهذا مخالف حتى لقرار أميركي سابق (القرار 1515) الذي أكد إمكانية الذهاب نحو تقرير المصير”.
وأردف: “أما الأمر الثالث في هذا الاتفاق، فهو ما ذكر حول الوصاية على الفلسطينيين وإعطاء الولايات المتحدة الإدارة الفعلية لقطاع غزة، ما يمنح الإدارة الأميركية شرعية قانونية وفق مجلس الأمن. هنا تكمن خطورة القرار، إذ يُعطي الولايات المتحدة صلاحية قانونية لإدارة قطاع غزة، بينما ترى إسرائيل أنّ هذا الاتفاق يُحقّق كثيرًا من مصالحها، فالإسرائيليون لا يريدون ذكر أي شيء مرتبط بالدولة الفلسطينية، ونتنياهو نفسه أكد في اجتماع الحكومة أنه حريص على عدم إقامة دولة فلسطينية”.
واستدرك “حتى وإن كانت الصياغة الحالية غير مرضية لإسرائيل، فإنها لن تؤدي بالضرورة إلى الذهاب نحو دولة فلسطينية، ما يتيح لإسرائيل مواصلة الضربات في غزة إذا لم تُحقق بعض المطالب، ولا توجد ضمانات واضحة على ذلك”.
البحث عن ضمانات
من جانبها، اعتبر كارولين روز، مديرة معهد نيو لاينز للاستراتيجيات والسياسات أنّ “القرار آلية وصاية تتبعها الولايات المتحدة الأميركية في حالات مُحدّدة، وهناك حديث عن قوة متعدّدة الجنسيات ستنشر لحفظ الاستقرار، لكن لا نعرف تفاصيل عملياتها بالكامل”.
وأشارت روز إلى أنّ خطة السلام التي يترأسها ترمب ستُركّز على المسائل المُتعلقة بالتعافي الاقتصادي وإعادة البناء، مع تحديد مناطق محددة، منها منطقة خضراء وأخرى حمراء، حيث ستخضع المنطقة الخضراء لاختبار إعادة البناء بشكل أكبر، بينما تبدو المنطقة الحمراء لن تخضع لفترة طويلة، ولا توجد مدة زمنية محددة، ما يترك مجالًا للنفوذ من قبل صناع السياسة الإسرائيليين وأصوات في الولايات المتحدة.
وأضافت أن هناك تحفظات لدى عدد من أعضاء مجلس الأمن، مثل الصين وروسيا، ولم يستخدموا حق الفيتو.
وأوضحت أن قرار مجلس الأمن يُعد وسيلة لتأمين الضمانات، وإعطاء الاطمئنان للدول التي تساهم بإرسال قواتها للقوى المشتركة، كما ذكر القرار إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقبلًا، رغم أن التفاصيل غير واضحة.
وقالت روز “أعتقد أن السبب في تمرير هذا القرار عبر مجلس الأمن يعود إلى رغبة الولايات المتحدة الأميركية في العمل على وقف إطلاق النار، وهو أمر نبيل وضروري، لكنه يتم من دون التوافق الكامل بين الأطراف، إذ ترفض حركة حماس نزع السلاح بشكل كامل، ويغفل القرار ذكر الدولة الفلسطينية بوضوح، ولا توجد خطة عملية لتحقيق ذلك”.
وأوضحت: “نتيجة لذلك، أعتقد أن إسرائيل ستسعى لإيجاد حلول مؤقتة، بينما تمضي الولايات المتحدة بخطط إعادة البناء التي تعزز الاقتصاد الإسرائيلي وتدعم الاتفاقيات الإبراهيمية كما حدث في الإدارة الأولى”.
وراحت تقول “أي جهود لمحاولة تشكيل سلطة فلسطينية في القطاع ستُرفض وفق هذه الآلية، ويبدو أن الهدف هو إبقاء غياب العنف مؤقتًا، وتفادي حل مستدام وفاعل لحوكمة فلسطينية”.
وأشارت روز إلى مخاطر متعلقة بتصاعد العنف، نتيجة ضعف التوافق، واستمرار مصالح إسرائيل في التفجيرات في أجزاء من قطاع غزة، بالإضافة إلى رفض حماس نزع السلاح بالكامل، ما يخلق خطر تفاقم الوضع الأمني في أي وقت.



