كشف الدكتور حسام بدراوي، المفكر السياسي، عن مشروع فكري جديد يسعى إلى بلورة علاقة جديدة بين الهوية الوطنية وقيم الإنسانية في زمن تتسارع فيه التحولات وتندمج فيه حدود الإنسان مع العالم التقني. أوضح خلال حواره مع الإعلامي نشأت الديهي في برنامج “بالورقة والقلم” على قناة TeN أن المشروع يقوم على رؤية ثلاث دوائر رئيسية، وتتناول الأولى الهوية المصرية التاريخية والحاضرة وتطلعاتها المستقبلية، في حين تركز الثانية على البُعد العالمي وتُعنى بتحديات الإنسانية والصراعات التي يفرزها التطور التكنولوجي، أما الدائرة الثالثة فتُعنى بالإنسان نفسه وتدعو إلى مزج العقل بالعاطفة والحياة باعتبار العقل مكملًا للإنسانيات ولا منافسًا لها.

ويُشير بدراوي إلى أن التعليم يظل المدخل الأهم للمعرفة والمهارة، وأن اختلاف الأفكار لا ينبغي أن يفسد للن الإنسانية قضيتها. وتُؤكد الرؤية أن الدولة المدنية الحديثة، بجناحيها من عدالة ومساواة وحرية مقيدة بالقانون، تجد جذورها في مبادئ الإسلام منذ صلح الحديبية، وهو ما يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل. وتؤكد الدائرة الأولى أهمية تعزيز الهوية الوطنية كإطار جامع يواكب التطورات العالمية من دون التفريط في قيم الإنسان وحقوقه.

أما الدائرة الثانية فتهتم بالبُعد العالمي وتؤكد أن الإنسانية تواجه “شرّاً منظماً” يحقن العالم بالصراعات، معبّرة عن القلق من مظاهر تراجع أوروبا وانهيار بعض مؤسسات الولايات المتحدة، رغم الإيمان السابق بقوة مبادئها. وتُشير إلى أن الحاجة تزداد إلى حوار واعٍ وبين تخصصات مختلفة يضع القيم الإنسانية في مركز التطوير والتقدم التكنولوجي.

وتأتي الدائرة الثالثة لتتركز حول الإنسان ذاته، فالمشروع يدعو إلى مزج العقل بالعاطفة والحياة، ويؤكد أن العقل لا يتناقض مع الإنسانيات، بل يكملها ويعززها. كما يهدف إلى خلق مساحة من التوافق الإنساني عبر مناقشة القيم المشتركة وتجاوز الانقسامات، والاستعداد لمرحلة جديدة قد تعيد تشكيل مفاهيم المجتمع والعالم.

ويرى القائمون على المشروع أن الرؤية قد تفتح أفقاً واسعة لتجديد السياسات العامة في مجالات التعليم والثقافة والإعلام والقانون، بما يخدم بناء مجتمع أكثر تماسكاً وإنسانية في سياق التحول الرقمي. كما يركّز على أهمية إنشاء منصات وطنية ودولية للحوار حول القيم الأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، لتجنيب المجتمع مخاطر الاستغلال وتقليل مخاطر فقدان التوازن بين العقل والإنسانية. وفي سياق عالمي متغير، يرى بدراوي أن العبور إلى جيل قادم يتطلب شبكة تعاون واسعة قائمة على الثقة وتبادل الخبرات، بدلاً من الانغلاق على مصالح ضيقة. في الأخير، تتعزز الدعوة إلى نقاش مفتوح يشمل الأكاديميين والسياسيين والمثقفين والشارع العام، لإعداد أجيال تقود نهجاً إنسانياً يتعايش مع التطور التقني دون التفريط في الكرامة والعدالة والحرية.