رائج اليوم

ملتقى الثقافات.. لماذا نحب الإسكندرية؟

الإسكندرية ليست مجرد مدينة على خريطة مصر الجغرافية بل هي حالة شعورية فريدة في الوجدان المصري، ولا تمثل فقط التقاء الأزمنة والحضارات واللغات في نقطة واحدة بل تمثل ملتقى يجمع كثير من العشاق لتراث وثقافة وحضارة تلك المدينة.

لا أبالغ إن قلت أن كل من يكتب عنها يشعر أنه يحاول الإمساك بضوء يتحرك .. لا يمكن القبض عليه تماما.. لكنه يضيء القلب والذاكرة بما كتب، وما تحمله ذاكرته من لحظات عاشها في الإسكندرية.

التنوع الحضاري والثقافي بدأ منذ أن وضع الإسكندر الأكبر أول حجر في مدينته الجديدة عام 331 ق.م.. حيث ولدت الإسكندرية بروح هجينة.. محبة للاختلاط.. متصالحة مع التعدد.. وقادرة على تحويل كل وافد إليها إلى جزء من نسيجها الثقافي.

في شوارعها مر الإغريق والرومان واليهود والمصريون والعرب والليبيون والمغاربة والشوام والطليان والفرنسيون والمالطيون واليونانيون والأرمن.. ومع كل موجة هجرة جديدة كانت المدينة تتنفس لونا ثقافيا آخر.. دون أن تفقد ملامحها الأصلية والأصيلة ليمتزج الجزء في الكل مع حفاظه على هويته.
هذا التراكم صنع ما يشبه الطبقات الصوتية في الشارع الإسكندراني.. فتجد لهجة سكندرية تشبه الموج إما ناعمة أو مرحة أو غير مكترثة بالحدود التي صنعتها السياسة يوما ما. 

هنا في الأسكندرية .. تجد مطبخا يعكس ثقافات البحر المتوسط كله في طبق واحد.
 

هنا في الإسكندرية .. تجد مبانٍ تحمل واجهات أوروبية ولكن نوافذها مفتوحة دائما للهواء الشرقي.. فهواها شرقي.
 

هنا في الإسكندرية .. تجد مدينة تتحدث كل اللغات بصوت خافت لا يعلو فوق الروح المصرية التي تحتفظ بها البيوت .. تلك الروح المصرية العميقة التي لا تخطئها العين.
 

الإسكندرية مدرسة حضارية.. تعلم ساكنيها وزوارها معنى العيش في مساحات مشتركة وفي محبة وقبول تجدها حاضرة في الأسواق القديمة مثل المنشية حيث تذوب الفروق الطبقية. على الكورنيش يجلس الجميع دون اسثناء أمام البحر نفسه الذي رأى كليوباترا وأنطونيو .. وسمع ضجيج الفلاسفة في عصور مجد الإسكندرية القديمة.. وشهد صراع القوى الكبرى على المتوسط.. البحر هنا ليس خلفية لأي قصة عاشها مواطن سكندري أو زائر لكنه حياة وفلسفة.. بل شخصية رئيسية في قصة المدينة.. فلا نبالغ إن قلنا أن بحرها يمثل ذاكرة جماعية لكل العشاق والزوار.. بل ومعلم صبور لكل من جلس يفضفض ويعاتب نفسه على شاطئه.
 

الحقيقة أن حبنا للإسكندرية ليس مجرد احتفاء بالماضي.. فهناك شيء حي في شوارعها يتوغل داخل من يتجول فيها.. في المقاهي الشعبية .. في مكتباتها التي تُعيد فكرة البحث والمعرفة.. في محاولات المحافظة على التراث رغم تحديات الزمن والمناخ والعمران. 

فما يلخص كل ما يقال عنها أنها مدينة تشبه البشر في هشاشتهم وقوتهم.. في قدرتهم على الانكسار والنهوض.. في حمل الأمل للغد. 

سنظل أنا وأنت نحب الإسكندرية ونهرب إليها من صخب المدن لأنها تمنحنا الانتماء حتى لو كنت غريبا.. وتهمس لك بأنها مدينة مسالمة تقبل الجميع كما هم.. لهذا نحب الإسكندرية!!

lgjrn hgerhthj>> glh`h kpf hgYs;k]vdm?

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد