لماذا تحولت ألمانيا من نموذج لاستقبال اللاجئين إلى إغلاف الحدود بوجههم؟

تحولت ألمانيا من نموذج لاستقبال اللاجئين إلى تشديد الرقابة على الحدود الذي يعكس تغييرا كبيرا في نهج البلاد التي احتُفي بها في عامي 2015 و2016 بسبب سياسة “الأبواب المفتوحة” التي اعتمدتها المستشارة أنجيلا ميركل تجاه اللاجئين.

وفي البداية، لقي قرار ميركل بقبول أكثر من مليون لاجئ، معظمهم من سوريا والعراق، دعمًا واسعًا من مصر اليوم والسياسيين وقادة الأعمال؛ إلا أن هذا الإجماع سرعان ما تراجع مع تزايد السخط الشعبي وصعود التيار اليميني المتطرف.

ووفقًا لتقرير صحيفة “لوموند” الفرنسية، فإنه في صيف العام 2015، تبنت حكومة ميركل سياسة سخية تجاه اللاجئين، داعيةً إلى تضامن أوروبي في مواجهة الأزمة.

بدورهم، تفاعل العديد من الألمان بحماس، حيث تجمعوا في محطات القطارات في مدن مثل برلين وميونيخ لتقديم الطعام والدعم للاجئين الوافدين، حيث امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصور لميركل وهي تلتقط صور “سيلفي” مع اللاجئين؛ ما عزز مكانتها كقائدة أخلاقية في أوروبا، حتى إن البعض رأى أنها تستحق جائزة نوبل للسلام.

كما شجع المسؤولون المحليون المواطنين على استضافة اللاجئين في منازلهم، وحتى الصحف الشعبية مثل “بيلد” ، التي دعت سابقًا إلى طرد اليونان من أوروبا، انضمت إلى دعم قضية اللاجئين.

وفي الوقت نفسه، كانت أوساط الأعمال داعمة لهذه السياسات، إذ توقع ديتر زيتشه، الرئيس التنفيذي لشركة دايملر، أن يكون اللاجئون بمثابة المحرك التالي للازدهار الاقتصادي في ألمانيا، بينما أشار اقتصاديون إلى أن اللاجئين سيساهمون في حل مشكلات نقص العمالة وتمويل معاشات الشيخوخة.

واستعرض التقرير، تلك الفترة التي عكست الساحة السياسية فيها، هذا التأييد الواسع، حيث دعم كل من الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) بقيادة ميركل وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) في بافاريا سياسة استقبال اللاجئين، في حين ارتدى نائب المستشار من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، زيغمار غابرييل، شعار “مرحبًا باللاجئين”، موضحًا أنه في ذلك الوقت، كانت حركة اليمين المتطرف ما زالت هامشية سياسيًا.

تراجع الدعم الشعبي

لكن تقرير الصحيفة الفرنسية أشار إلى أنه سرعان ما تلاشت موجة الحماس الأولية مع تزايد التحديات العملية لإدماج أكثر من مليون لاجئ. وبحلول نهاية العام 2015، بدأت الحكومات المحلية، المسؤولة عن توفير السكن والتعليم والرعاية الصحية للوافدين الجدد، تشعر بالضغط، ففي 12 سبتمبر 2015، وصل أكثر من 13 ألف لاجئ إلى محطة ميونيخ المركزية في يوم واحد.

وواجهت المجتمعات في جميع أنحاء البلاد اكتظاظًا في الملاجئ، حيث تم إيواء اللاجئين في الصالات الرياضية والمستودعات؛ ما أثار مخاوف بشأن قدرة البلاد على إدارة الوضع.

وتزايد الضغط على الموارد والخدمات العامة، إلى جانب وقوع حوادث بارزة مثل الاعتداءات الجنسية في كولونيا ليلة رأس السنة العام 2015؛ ما غذّى الشكوك العامة وردود الفعل السلبية.

بدوره، استغل حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف هذه المخاوف، محققًا مكاسب سياسية من خلال معارضة سياسات ميركل تجاه اللاجئين، وبحلول العام 2017، دخل الحزب البرلمان الألماني (البوندستاغ) لأول مرة، ما يمثل أول ظهور لليمين المتطرف في السياسة الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية.

وخلص التقرير، إلى أن هذا التحول في الرأي العام دفع ألمانيا إلى اتباع نهج أكثر تقييدًا للهجرة في السنوات الأخيرة، واليوم تركز السياسة الألمانية على تشديد الحدود بدلًا من فتح الأبواب، في تحول واضح عن السياسات التي جعلت من البلاد رمزًا للقيادة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى