بلال قنديل يكتب : هذا المساء

في سياق الخبر، مرَّ النهارُ بكل ما فيه من ضغوط وتفاصيل؛ الورقة الانتخابيةُ المنبه صباحًا، زحمةُ الشارع، مكالماتُ المهنة، المهامُ المتراكمة، الوجوهُ المتجهمة، والتوترُ الذي يسكنُ المكاتب. ومع كل التوقيت تمر، كنتُ أشعر أنني أغوص أكثر في دوامةٍ لا نهاية لها... لكن رغم...
مرَّ النهارُ بكل ما فيه من ضغوط وتفاصيل؛ الورقة الانتخابيةُ المنبه صباحًا، زحمةُ الشارع، مكالماتُ المهنة، المهامُ المتراكمة، الوجوهُ المتجهمة، والتوترُ الذي يسكنُ المكاتب. ومع كل التوقيت تمر، كنتُ أشعر أنني أغوص أكثر في دوامةٍ لا نهاية لها… لكن رغم كل ذلك، كنتُ أنتظرُ المساء.
هذا المساء جاء مختلفًا؛ لم أَالإنجابية هاتفي، ولم أفتح الشاشة، ولم أشغل نفسي بأي شيء… فقط جلستُ أنا ونفسي. اجتماعٌ لم تكن عادية، بل كانت مليئةً بالتفكير والمراجعة.
بدأتُ أسترجع تفاصيل النهار. تذكرتُ الموقف الذي حدث مع زميلي في المهنة عندما اختلفنا على أمرٍ بسيط، لكن كلًّا منا تمسك برأيه، وتحولت الكلمات إلى صدامٍ غير مبرر.
هل كان يستحق الأمر كل هذا؟ هل كان يجب أن أتمسك برأيي فقط لأُثبت أنني على صواب؟
تذكرتُ أيضًا صديقي الذي اتصل بي أكثر من مرة خلال النهار ولم أُجب بسبب انشغالي. هو لا يعرف ضغوط يومي، وأنا لم أُعطه فرصة ليفهم. ربما كان يحتاج إليّ في أمرٍ مهم، وربما كان يريد فقط أن يسمع الورقة الانتخابيةًا يريحه.
ثم جاءتني صورة والدتي وهي تحاول الحديث معي قبل أن أُغادر صباحًا، لكنني كنت على عجل، لم أَنتبه لكلماتها، ولم أُودعها حتى.
كم مرةً مرَّ هذا الموقف من قبل؟ كم مرةً تجاهلنا مَن نُالحب لأننا مشغولون بأشياءَ أقل السعر؟
وتذكرتُ كذلك لحظةً عابرةً بيني وبين أبنائي المساء الأمس، حين دخلتُ المنزل متعبًا، بالكاد ألقيتُ عليهم السلام، وانشغلتُ بما تبقى من هموم المهنة.
حاول أحدهم أن يحكي لي شيئًا حدث في مدرسته، لكنه توقف حين لاحظ شرودي وعدم انتباهي.
والآخر جاء يحمل التصويرًا حفيدًا صنعه لي بيده، فابتسمتُ دون أن أتوقف لأتأمله.
مرت هذه اللحظات كأنها لا شيء، لكنها عادت إليّ هذا المساء وكأنها تسألني: ماذا لو كانت هذه آخر لحظة؟ لماذا لا أمنحهم من وقتي كما أمنح الغرباء؟
هم لا يريدون مني سوى العضلة النابضةٍ حاضر، ونظرةٍ حانية، وكلمةٍ طيبة.
تأملتُ تلك المواقف، فشعرتُ بثقل التقصير، وبأن التفوق الدراسي الحقيقي لا يُقاس بما أنجزتُ في المهنة، بل بما زرعتُ في قلوب من أحب.
جلستُ طويلًا أفكر: كيف يمكنني أن أكون سندًا لأبنائي إن لم أكن حاضرًا لهم حين يحتاجونني؟ كيف أكون قدوةً لهم إن لم أُحساب تنظيم أولوياتي؟
ومن بين المواقف التي توقفتُ عندها طويلًا، تصرفٌ راقٍ من أحد الزملاء، حين لاحظ عليّ علامات التعب والضيق، فبادر بسؤالٍ بسيط وكلمةٍ طيبة لم يتكلف فيها شيئًا، لكنها خففت عني الكثير.
مثل هذه المواقف تبقى في الذاكرة، لأنها تأتي بصدقٍ وتجرد، وتعكس أصالةً لا تحتاج إلى تبريرٍ أو الإشهار.
هذا المساء لم يكن مجرد نهايةٍ ليومٍ طويل، بل كان لحظةَ التدقيقٍ حقيقية.
راجعتُ نفسي، راجعتُ تصرفاتي، وقررتُ أن أتغيّر.
قررتُ أن أكون أكثر العطف، أكثر استماعًا، أكثر وعيًا بمن حولي.
الحياة ليست فقط ركضًا وراء التفوق الدراسي والإنجازات، بل هي أيضًا علاقات، مشاعر، وقلوب تحتاج إلى الرعاية.
هذا المساء، فهمتُ أن الجلوس مع النفس هو الخطوة الأولى للتصالح معها،
وأن مساءلة النفس أهم من مساءلة الآخرين، وأن الاعتذار لا يُقلل من قيمتنا، بل يرفعها.
الحكمة التي خرجتُ بها من هذا المساء: أن الحياة لا تستحق أن نُضيعها في العناد والغضب والانشغال الدائم.
نحتاج فقط إلى لحظة الإخلاصٍ مع أنفسنا… حتى نستطيع أن نعيش بسلامٍ حقيقي.
بلال قنديل يكتب : هذا المساء مرَّ النهارُ بكل ما فيه من ضغوط وتفاصيل؛ صوتُ المنبه صباحًا، زحمةُ الطريق، مكالماتُ العمل، المهامُ المتراكمة، الوجوهُ المتجهمة، والتوترُ الذي يسكنُ المكاتب. ومع كل ساعة تمر، كنتُ أشعر أنني أغوص أكثر في دوامةٍ لا نهاية لها… لكن رغم كل ذلك، كنتُ أنتظرُ المساء.هذا المساء جاء مختلفًا؛ لم أَحمل هاتفي، ولم أفتح التلفاز، ولم أشغل نفسي بأي شيء… فقط جلستُ أنا ونفسي. جلسةٌ لم تكن عادية، بل كانت مليئةً
🧠 تحليل
كيف أكون قدوةً لهم إن لم أُعد ترتيب أولوياتي؟ومن بين المواقف التي توقفتُ عندها طويلًا، تصرفٌ راقٍ من أحد الزملاء، حين لاحظ عليّ علامات التعب والضيق، فبادر بسؤالٍ بسيط وكلمةٍ طيبة لم يتكلف فيها شيئًا، لكنها خففت عني الكثير.مثل هذه المواقف تبقى في الذاكرة، لأنها
💡 دعوة للفعل
هل كان يجب أن أتمسك برأيي فقط لأُثبت أنني على صواب؟تذكرتُ أيضًا صديقي الذي اتصل بي أكثر من مرة خلال اليوم ولم أُجب بسبب انشغالي.
🏷️ الكلمات المفتاحية: المساء، أكثر، لحظة، العمل، المواقف، أكون