عقوبات أميركية واسعة على إيران: استهداف مباشر لشبكة تجارية وتضييق الخناق على شحنات النفط والصواريخ

في خطوة تصعيدية جديدة ضمن سياسة “الضغط الأقصى”، أعلنت الحكومة الأميركية، يوم الأربعاء، عن حزمة ضخمة من العقوبات على إيران، وصفت بأنها الأكبر منذ عام 2018، مستهدفة أكثر من 115 كيانًا وفردًا وسفينة على صلة بشبكات تهريب النفط والأسلحة بين طهران وموسكو، والتي يُعتقد أنها تخدم مصالح مقربة من قادة النظام الإيراني.
وبحسب بيان صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، فإن هذه الحزمة الجديدة من العقوبات تطال شبكة واسعة يقودها محمد حسين شمخاني، نجل علي شمخاني، أحد أبرز المستشارين الأمنيين المقربين من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. وتضمنت القائمة 52 سفينة، و15 شركة شحن بحري، و12 شخصًا، إضافة إلى 53 كيانًا موزعين في 17 دولة، ما يعكس اتساع رقعة الشبكة وارتباطها المباشر بتهريب النفط والسلاح، خاصة نحو روسيا والصين.
وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن الشبكة التي يترأسها محمد حسين شمخاني قامت بتوريد شحنات ضخمة من النفط الخام والبضائع الإيرانية والروسية، باستخدام أساليب معقدة للتحايل على العقوبات المفروضة، عبر شركات وهمية وجوازات سفر أجنبية، لإخفاء الملكية الحقيقية للناقلات والحسابات البنكية. ووفقًا للمعلومات الواردة، فقد استخدمت هذه الشبكة الإيرادات المتحصلة في تمويل الأنشطة العسكرية للنظام الإيراني، بما في ذلك تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل ونقلها إلى موسكو مقابل واردات نفطية روسية.
وأوضحت الوزارة أن شمخاني الابن يملك نفوذًا واسعًا في قطاع الشحن البحري الإيراني، ويعتمد على شبكة من الوسطاء والمقاولين في عدد من الدول لنقل البضائع الإيرانية والروسية إلى أسواق مثل الصين وجنوب شرق آسيا، بما يحقق للنظام أرباحًا بمليارات الدولارات تُستخدم لدعم برامجه النووية والعسكرية.
وفي تصريحات خاصة نقلتها وكالة “رويترز”، قال مسؤول أميركي رفيع إن العقوبات الجديدة جرى تصميمها بشكل دقيق لتجنب إحداث اضطرابات كبرى في سوق النفط العالمي، موضحًا أن الهدف الرئيسي هو الحد من قدرة النظام الإيراني على الاستفادة من إيراداته النفطية في تمويل أنشطته المزعزعة للاستقرار. وأكد أن الإجراءات تستهدف طهران بدرجة أكبر من روسيا، نظرًا لتورط كبار الشخصيات المرتبطة بالمرشد الأعلى في إدارة الشبكة.
كما أشار إلى أن العقوبات تُعد رسالة سياسية واضحة، مفادها أن أي تحايل على العقوبات أو استخدام القنوات الخلفية للالتفاف عليها سيواجه برد حازم من واشنطن، وأضاف: “لا يمكن الفصل بين النشاط التجاري لهذه الشبكات والأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني، خاصة وأننا نتحدث عن شخصيات على تماس مباشر بمواقع القرار في طهران”.
ردود وتحذيرات وتصعيد مستمر
من جهتها، أكدت تامي بروس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، أن حزمة العقوبات الجديدة تهدف إلى “تقويض قدرة إيران على تمويل أنشطتها العدائية”، مضيفة أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ملتزمة بمواصلة الضغوط الاقتصادية إلى أقصى مدى، لمنع طهران من إعادة تشغيل مواقعها النووية أو تطوير برامجها الصاروخية.
وأضافت بروس: “الرئيس ترامب حذّر بوضوح من أن أي دولة أو جهة تختار التعامل مع النفط الإيراني ستُعرض نفسها للعقوبات الأميركية، ولن يُسمح لها بمزاولة أي أنشطة تجارية مع الولايات المتحدة”.
ويأتي هذا التصعيد بعد أسابيع قليلة من تنفيذ القوات الأميركية غارات جوية على منشآت نووية إيرانية، قالت واشنطن إنها كانت على وشك استئناف العمل بعد انهيار المحادثات بين الجانبين. وكان ترامب قد توعد طهران، في تصريحات أدلى بها الاثنين الماضي، بأنه “سيأمر بشن ضربات جديدة إذا أعادت إيران تشغيل مواقعها النووية”، متهمًا النظام الإيراني بأنه يرسل “إشارات سيئة” ويمضي قدمًا في انتهاك التفاهمات الدولية.
يُشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يُدرج فيها اسم عائلة شمخاني على قوائم العقوبات، إذ سبق لوزارة الخزانة الأميركية أن فرضت عقوبات على علي شمخاني نفسه عام 2020، بينما اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة مشابهة ضد نجله هذا الشهر، متهماً إياه بالضلوع في تهريب النفط الروسي.
غياب الآفاق الدبلوماسية وتوتر متصاعد
تشير التقديرات السياسية إلى أن فرص استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن باتت محدودة للغاية، في ظل هذا التصعيد الاقتصادي والعسكري المتسارع. وتؤكد الأوساط الدبلوماسية أن إدارة ترامب ترى في هذه الإجراءات ورقة ضغط لا غنى عنها، لكبح جماح النظام الإيراني، الذي لا يزال ينفي سعيه لامتلاك سلاح نووي، بينما تتصاعد الشكوك الغربية بشأن نواياه الفعلية، خاصة بعد تقارير استخباراتية حول استئناف أنشطة نووية في مواقع سرية.
ويُتوقع أن ترد إيران في الأيام المقبلة على هذه العقوبات، إما بمواقف دبلوماسية أو بخطوات ميدانية، ما قد يضع المنطقة مجددًا على أعتاب مواجهة أكثر حدة، في وقت يزداد فيه التوتر الدولي ويضيق هامش الحلول السياسية.