انسحاب الأهلي وعلاقته بإعلان أبو تريكة
حال الرياضة المصرية لا يسر عدوا ولا حبيبا، فما يكاد يصفو الزمان له حتى يعكر، ولا يفتأ يحسن حتى يسيء، وما إن تنطفئ نار أزمة من أزماته حتى تشتعل أخرى!
فبعد القنبلة التي فجَّرها الإعلان التلفزيوني الذي تصدَّره نجم الأهلي السابق محمد أبو تريكة، وهو المدرج على قوائم الإرهاب في مصر، وما أثاره الإعلان من سخط واسع داخل أوساط السلطة الحاكمة، انفجرت يوم الثلاثاء الماضي قنبلة أخرى، بدت أكبر من سابقتها، وهي انسحاب النادي الأهلي من مباراة القمة أمام غريمه التقليدي الزمالك، اعتراضا على تعيين طاقم حكام مصري، وهي المباراة التي كان مقررا إقامتها على استاد القاهرة مساء اليوم نفسه ضمن مباريات دوري الكرة.
اختلفت طريقة التعاطي بين الانفجارين، لكن بقيت الضجة المثارة حولهما، وردود فعل الجماهير والإعلام بعدهما، واحدة، ومثّل التشابه بينهما عنوانا عريضا زاعقا للحال الذي تعيشه كرة القدم المصرية حاليا، خصوصا أننا إذا ما فتحنا عدسة الزمان أكثر، لرأينا أن مثل هذه الأزمات ليست بجديدة على الحال الذي تعيشه الكرة المصرية خلال الاثنتي عشرة سنة الأخيرة، فما إن تنفجر أزمة حتى تتلوها أخرى أكبر منها، تُنسي الأزمة التي قبلها، حتى باتت الغالبية من الجماهير لديها قناعة بأن الأزمات لا تقع من نفسها، وإنما يتم صناعتها وافتعالها، لتغطي الجديدة على القديمة!
وإذا كان هذا أمرا لا يمكن الإقرار به على إطلاقه، فإنه قد يكون منطقيا إلى حد بعيد عند البحث والتدقيق في أبعاد الأزمة الأخيرة، وهي الخاصة بانسحاب الأهلي من مباراة القمة، باعتبار أن الهدف منها ربما يكون التغطية على أزمة إعلان محمد أبو تريكة، خصوصا بعد أن بدا للناظرين حجم الخطيئة التي ارتكبتها الدولة المصرية، بالموافقة على تمرير إعلان تلفزيوني من إنتاج الشركة المتحدة المحسوبة على أحد الأجهزة السيادية، ويكون بطله الرئيسي مواطنا مدرجا على قوائم الإرهاب، هو محمد أبو تريكة، فحتى إن افترضنا أن الجهات المعنية حققت الهدف المرجو من ظهور هذا الإعلان، لكن المؤكد أن الخسائر منه كانت أكبر وأفدح، أقلّها أنه يُفقد الدولة المصرية مصداقيتها وجديتها في حربها على الإرهاب والإرهابيين، كما أنه سيؤكد الرواية التي يرددها خصوم السلطة الحالية، بأن تهمة الإرهاب التي تلاحق الكثيرين من المصريين داخل مصر وخارجها هي تهمة ملفقة، يتم توظيفها لتحقيق مصالح سياسية ليس أكثر.
وإذا كان المسؤولون عن هذا الإعلان لم يفكروا في سمعتهم وسمعة البلد، من ظهور إعلان كهذا ينال من مصداقية السلطة ومن نزاهة مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية في مواجهة الإرهاب، فالمؤكد أنهم نسوا أن هناك شركاء خارجيين، استثمروا معهم في المشروع نفسه وهو مكافحة الإرهاب داخل مصر، ومن ثَم فإن ظهور إعلان مثل هذا يسيء إليهم أيضا، ويفقدهم مصداقيتهم على الأقل أمام شعوبهم!
لعبة انسحاب الأهلي
كل التفاصيل التي أحاطت بأزمة انسحاب الأهلي من مباراة القمة، كانت تشير إلى احتمال أن تكون الأزمة مفتعلة، هدفها إحداث ضجة جماهيرية وإعلامية تُنسي الناس فضيحة إعلان أبو تريكة، خصوصا عندما نرى أن قرار الانسحاب من المباراة، صدر في توقيت يستحيل معه إنقاذ الموقف، إذ صدر ظهر يوم الثلاثاء 11 مارس/آذار الجاري، أي قبل ساعات قليلة من موعد انطلاق المباراة، المحدد لها التاسعة والنصف مساء بتوقيت القاهرة، وقد كان الأهلي قادرا على اتخاذ القرار نفسه في اليوم السابق للمباراة فتكون هناك فسحة من الوقت لإيجاد الحلول، عندما أعلن اتحاد الكرة تعيين طاقم مصري للمباراة، بيد أن إدارة الأهلي فضلت الإرجاء إلى اليوم التالي، وكأنها أرادت وضع العربة أمام الحصان، حتى تتعقد الأزمة ولا تنفرج أبدا، لحكمة لا يعلمها إلا الله.
قطعا لم يفت إدارة النادي الأهلي، وهي تتخذ هذا القرار الحساس والخطير، حجم العقوبات الغليظة التي سيتعرض لها النادي بالانسحاب من المباراة، وعلى رأس هذه العقوبات الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية، لكنهم مع ذلك أصروا على موقفهم حتى إعلان إلغاء المباراة، واعتبار النادي منسحبا!
وبعيدا عما إذا كانت عقوبة مثل الهبوط إلى الدرجة الثانية يستحيل من الناحية العملية توقيعها على النادي الأهلي، لأسباب عديدة ليس هنا مجال لذكرها، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يستطيع مجلس إدارة النادي الأهلي مهما كان نفوذه أو قوته أن يتخذ قرارا مثل هذا، في ظل وجود سلطة تحشر أنفها داخل كل مؤسسات الدولة، وتشارك في اتخاذ كل القرارات حتى وإن كانت تافهة؟ بصيغة أخرى: هل يمكن لمجلس إدارة الأهلي أن يتخذ قرارا حساسا مثل هذا دون أخذ رأي الأجهزة الأمنية، أو حتى دون التنسيق معها؟ هنا سأسكت قليلا (بصوت المعلق الإماراتي الشهير سعيد الكعبي).
علاقة رئيس الفيفا بالأزمة
زاد من الشكوك بشأن احتمال افتعال الأزمة، أن اليوم الذي كان مقررا لإقامة المباراة وهو الثلاثاء 11 مارس، هو نفسه اليوم الذي كانت تستضيف فيه مصر حدثا مهمّا وكبيرا للغاية، وهو انتخابات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف)، تلك الانتخابات التي حضرها السويسري جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ومن ثَم فمن غير المنطقي أن يكون الاتحاد المصري كله وجميع أفراد المنظومة الكروية في مصر محشودة عن آخرها لمتابعة انتخابات الاتحاد الإفريقي، وضيافة الحضور وعلى رأسهم رئيس الفيفا، في حين أن هناك مباراة ديربي الكرة المصرية (الأهلي والزمالك) بجماهيرها الغفيرة، ولا يكون مسؤولو الاتحاد المصري موجودين فيها، ليس للفرجة والتسلية، وإنما للمراقبة والتعامل مع أي طارئ يطرأ خلالها!
ووجود رئيس الفيفا بمصر في هذا اليوم، يجعلنا نتوقع سببا آخر وراء إلغاء المباراة، وهو أن يكون رئيس الفيفا قد ارتبط بموعد مع رئيس الدولة، وقد تعارض ذلك اللقاء مع موعد إقامة المباراة، خصوصا أن هناك من يشير إلى أن هاني أبو ريدة كان يخطط لحضور رئيسَي الاتحادين الدولي والإفريقي لمباراة القمة، وربما يكون هو من علّق انطلاق المباراة بالتنسيق مع صديقه محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي ومع الجهات الأمنية، لحين التأكد من إمكانية حضور المسؤولَين الكبيرَين، وقد يعزز هذه الرواية أن المعلومات التي سبقت إلغاء المباراة كانت تشير إلى تراجع مجلس الأهلي عن قراره بالانسحاب، إذ طلب المجلس من الفريق التوجه إلى مقر النادي في مدينة نصر، ليكون قريبا من استاد القاهرة، انتظارا لصدور تعليمات له بالتوجه إلى الاستاد لأداء المباراة، على أن يقوم اللاعبون بإجراء عمليات الإحماء ويقوم المدرب بإلقاء محاضرته الفنية عليهم في مقر النادي، لكن يبدو أن ارتباطات رئيسَي الفيفا والكاف ومعهما بالطبع رئيس الاتحاد المصري، لم تمكنهم من حضور المباراة، ومن ثَم جرى إلغاؤها.
وفي كل الأحوال، نحن في انتظار أزمة جديدة، تنسينا هذه الأزمة!