وسط حراك سياسي.. رسائل إيجابية من الإدارة السورية إلى الكرد – قناة مصر اليوم
![](https://misryoum.com/wp-content/uploads/2025/01/2025-01-19T161733Z_1413536458_RC2AKBA23TSV_RTRMADP_3_SYRIA-SECURITY-KURDS-1024x614-780x470.jpg)
لا يزال مصير قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي يقودها الأكراد، من أكثر القضايا خطورة التي تلقي بظلالها على مستقبل سوريا، حيث تعتبرها الولايات المتحدة حليفًا رئيسًا في القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي، فيما ترى تركيا أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي.
وبهدف حل هذه المعضلة التي برزت بعد إطاحة فصائل المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، بنظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر الماضي، يجري مفاوضون دبلوماسيون وعسكريون من الولايات المتحدة وتركيا وسوريا إلى جانب قسد مفاوضات، يبدون خلالها قدرًا أكبر من المرونة والصبر مما تشير إليه تصريحاتهم العلنية بحسب ما نقلت وكالة «رويترز» عن عدة مصادر، شارك بعضها بشكل مباشر في مناقشات مكثفة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقالت ستة من المصادر إن هذا قد يمهد الطريق لاتفاق محتمل في الأشهر المقبلة، من شأنه أن يتضمن مغادرة بعض المقاتلين الأكراد من المنطقة المضطربة في شمال شرقي سوريا، فيما يضع آخرين تحت قيادة وزارة الدفاع الجديدة.
قضايا شائكة
لكن المصادر أشارت أيضًا إن هناك العديد من القضايا الشائكة التي لا يزال يتعين حلها، ومن بينها كيفية دمج مقاتلي قسد الذين يتمتعون بتسليح وتدريب جيد في الإطار الأمني السوري وإدارة الأراضي الخاضعة لسيطرتهم، والتي تضم حقولًا رئيسة للنفط والقمح.
وفي تصريحات صحفية أدلى بها الأسبوع الماضي، قال قائد قسد مظلوم عبدي، إن المطلب الأساسي للقوات هو الإدارة اللامركزية، ما قد يمثل تحديًا للإدارة السورية الجديدة، التي تتطلع إلى إعادة كل مناطق البلاد إلى سلطة الحكومة بعد الإطاحة بالأسد الشهر الماضي.
وأشار عبدي إلى أن قوات سوريا الديمقراطية لا تعتزم حل نفسها، وأنها منفتحة على ربط نفسها بوزارة الدفاع والعمل وفق قواعدها، ولكن ككتلة عسكرية.
ورفض وزير الدفاع السوري الجديد مرهف أبو قصرة هذا التوجه، في مقابلة أجرتها معه رويترز، قائلًا إن مقترح أن تظل قوات سوريا الديمقراطية كتلة واحدة «لا يستقيم».
وأعلنت الإدارة السورية الجديدة في دمشق، رغبتها في دمج جميع الجماعات المسلحة ضمن القوات الرسمية السورية، وتحت قيادة موحدة.
وقال دبلوماسيون ومسؤولون من جميع الأطراف، لرويترز، إن مقدار الحكم الذاتي الذي يمكن أن تحتفظ به الفصائل الكردية، سيتوقف على الأرجح على دعم واشنطن المستمر منذ فترة طويلة لحلفائها الأكراد.
وسيعتمد أي اتفاق على ما إذا كان تركيا ستتراجع عن شن هجوم عسكري، تهدد مرارًا بتنفيذه ضد وحدات حماية الشعب، وهي قوات كردية تقود تحالف قوات سوريا الديمقراطية.
وترى أنقرة أن وحدات حماية الشعب هي امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمردًا مسلحًا ضد الدولة التركية منذ عام 1984، وتصنفه كل من تركيا والولايات المتحدة جماعة إرهابية.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في وقت سابق، إن السلطات السورية الجديدة «يجب أن تُتاح لها فرصة لإنهاء الاحتلال والإرهاب الذي خلقته وحدات حماية الشعب».
مفاوضات معقدة
قال مصدر في وزارة الخارجية التركية، إن نزع سلاح الفصائل المسلحة ورحيل «المقاتلين الإرهابيين الأجانب» أمر ضروري، من أجل استقرار سوريا وسلامة أراضيها.
من جهته، قال دبلوماسي أميركي كبير لرويترز، إن مسؤولين أميركيين وأتراكًا يعقدون مناقشات «مكثفة للغاية» منذ أن شن مسلحون بقيادة هيئة تحرير الشام، وهي فرع سابق لتنظيم القاعدة، هجومًا خاطفًا نجحوا خلاله في الإطاحة بالأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول.
وأوضح الدبلوماسي أن البلدين لديهما «وجهة نظر واحدة بشأن أين يتعين أن تنتهي الأمور»، بما في ذلك الاعتقاد أن جميع المقاتلين الأجانب يجب أن يغادروا الأراضي السورية. كما وصف المحادثات بأنها «معقدة للغاية وستستغرق وقتًا طويلًا».
ويأتي ذلك فيما تجري محادثات بالتوازي بين الولايات المتحدة وكل من قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام، ومحادثات بين تركيا وهيئة تحرير الشام، وأخرى بين قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام.
وبرزت تركيا، التي قدمت الدعم المباشر لبعض فصائل المعارضة في مواجهة الأسد، كواحدة من أكثر الأطراف نفوذًا في سوريا منذ سقوطه.
ومثلها مثل الولايات المتحدة، لا تزال تركيا تصنف هيئة تحرير الشام جماعة إرهابية بسبب ماضيها المرتبط بتنظيم القاعدة، لكن من المعتقد أن أنقرة لديها نفوذ كبير على الهيئة، وفق رويترز.
ويخشى مسؤولون من جميع الأطراف من أن يؤدي الإخفاق في التوصل إلى وقف لإطلاق النار واتفاق سياسي يمكن أن يصمد طويلًا في الشمال الشرقي إلى زعزعة استقرار سوريا، بينما تسعى للتعافي من حرب أهلية استمرت أكثر من عقد وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف ونزوح الملايين، واجتذبت أطرافا من الخارج من بينها روسيا وإيران وإسرائيل.
وتشير الأنباء إلى مقتل العشرات في شمال سوريا منذ ديسمبر/ كانون الأول في اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية وحلفاء لتركيا وكذلك في غارات جوية شنتها أنقرة عبر الحدود.
كما أن عدم التوصل إلى تسوية حول مصير الفصائل الكردية في سوريا من شأنه أن يقوض الجهود الناشئة لإنهاء تمرد حزب العمال الكردستاني في تركيا. وحذرت الأمم المتحدة من عواقب وخيمة على سوريا والمنطقة إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي في شمال شرق البلاد.
مصدر للتوتر
رغم أن واشنطن وأنقرة عضوان في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، إلا أن الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية كان مصدرًا للتوتر مع تركيا.
وترى واشنطن في قسد شريكًا رئيسًا في مواجهة داعش الذي حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، من أنه سيحاول استغلال هذه الفترة لإعادة بناء قدراته في سوريا. ولا تزال قوات سوريا الديمقراطية تتولى حراسة عشرات الآلاف من المعتقلين المرتبطين بالتنظيم.
وتطالب تركيا بنقل إدارة معسكرات الاعتقال والسجون التي يتم احتجاز معتقلي تنظيم داعش بها إلى حكام سوريا الجدد، وعرضت مساعدتهم. كما طالبت قوات سوريا الديمقراطية بطرد جميع المقاتلين الأجانب وكبار أعضاء حزب العمال الكردستاني من أراضيها والتخلص من سلاح الأعضاء المتبقين، بطريقة يمكنها التحقق منها.
وأبدى قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي مرونة فيما يتصل ببعض المطالب التركية، وقال لرويترز الشهر الماضي إن مقاتليه الأجانب، بمن في ذلك أعضاء حزب العمال الكردستاني، سيغادرون سوريا إذا وافقت تركيا على وقف إطلاق النار.
وقال حزب العمال الكردستاني في بيان، إنه سيوافق على المغادرة إذا احتفظت قسد بسيطرة في الشمال الشرقي أو بدور مهم في القيادة المشتركة.
وقال عمر أونهون، آخر سفير تركي في دمشق، لرويترز إن مثل هذه التطمينات من المستبعد أن ترضي أنقرة في وقت تحاول فيه قوات سوريا الديمقراطية «الاحتفاظ بحضورها واستقلاليتها» في سوريا.
والأربعاء الماضي، قال وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني في أنقرة، إن الوجود المكثف لقسد المدعومة من الولايات المتحدة لم يعد مبررًا، وإن الإدارة الجديدة لن تسمح بأن تكون الأراضي السورية مصدر تهديد لتركيا.
تسوية سياسية
من جهته، قال عبدي إنه التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وإن الجانبين اتفقا على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة، لبحث كيفية دمج قوات سوريا الديمقراطية مع وزارة الدفاع، ووصف الاجتماع بالإيجابي.
لكن وزير الدفاع السوري أبو قصرة، اتهم قادة قسد بالمماطلة في هذه القضية، وقال إن «اندماج كل المناطق تحت الإدارة الجديدة.. حق للدولة السورية».
وقال مسؤول لرويترز إن القيادة الجديدة تعتقد أن السماح لمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، بمواصلة العمل ككتلة واحدة من شأنه أن «يهدد بزعزعة الاستقرار، بما في ذلك حدوث انقلاب».
وأكد عبدي أن الإدارة اللامركزية لن تهدد وحدة سوريا، وأن قوات سوريا الديمقراطية لا تطالب بنوع من الفيدرالية كما في العراق، حيث يوجد للأكراد حكومة خاصة في إقليمهم.
ويرى بعض المسؤولين السوريين والدبلوماسيين أن قوات سوريا الديمقراطية سيتعين عليها على الأرجح، التخلي عن السيطرة على مناطق واسعة وعائدات النفط التي سيطرت عليها خلال الحرب، في إطار أي تسوية سياسية.
وفي المقابل، قد تُمنح الفصائل الكردية حماية للغتها وثقافتها داخل هيكل سياسي لامركزي، وفقًا لما قاله بسام القوتلي، رئيس الحزب الليبرالي السوري الصغير الذي يدعم حقوق الأقليات.
وأقر مصدر كردي سوري كبير، بأن بعض هذه المقايضات قد تكون ضرورية على الأرجح. وأكد عبدي أن قسد منفتحة على تسليم المسؤولية عن موارد النفط للإدارة الجديدة، بشرط توزيع الثروة بشكل عادل على جميع المحافظات.
وقال دبلوماسي أميركي، إن الإطاحة بالأسد فتحت الباب أمام واشنطن لدراسة سحب قواتها من سوريا في نهاية المطاف، إلا أن جانبًا كبيرًا من الأمر يعتمد على ما إذا كانت قوات موثوقة مثل حلفائها الأكراد ستظل منخرطة في الجهود الرامية إلى مواجهة أي عودة لتنظيم داعش.
وتثير عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الآمال في تركيا بشأن التوصل إلى اتفاق ملائم، نظرًا للتوافق بينه وبين أردوغان خلال ولايته الأولى.
وتحدث ترمب بإيجابية عن دور أردوغان في سوريا، ووصفه بأنه «رجل ذكي للغاية»، وقال إن تركيا «تملك المفتاح» لما يحدث هناك.
وكان الأكراد، الذين يشكلون جزءًا من مجموعة عرقية لا دولة لها ولها وجود في العراق وإيران وتركيا وأرمينيا وسوريا، من بين أطراف قليلة استفادت من الصراع السوري إذ تمكنوا من السيطرة على مناطق ذات أغلبية عربية بعد أن تعاونت الولايات المتحدة معهم في الحملة ضد تنظيم داعش، ويسيطرون حاليًا على ما يقرب من ربع مساحة البلاد.
إلا أن سقوط نظام الأسد ترك الفصائل الكردية السورية في موقف دفاعي، وسط اتساع سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا في الشمال الشرقي، وفي ظل العلاقات الوثيقة بين حكام البلاد الجدد في دمشق وبين أنقرة.