هل غادر لبنان محور المقاومة بشكل كامل؟
بأغلبية 84 صوتا فاز نواف سلام (رئيس محكمة العدل الدولية) برئاسة الحكومة اللبنانية، متغلبا على منافسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي حصل على تسعة أصوات فقط، وبهذا الاختيار مع ما سبقه من اختيار قائد الجيش جوزيف عون رئيسا تكون لبنان قد دخلت مرحلة جديدة مختلفة عن سابقتها، انقلبت فيها موازين القوى داخليا، وانحسر نفوذ الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، وذلك لصالح التحالف المضاد وهو معسكر 14 آذار الأكثر ارتباطا بما يوصف بمعسكر الاعتدال العربي المرتبط بطبيعته بالسياسة الأمريكية.
بهذا الاختيار أيضا يمكن القول إن دولة لبنان غادرت رسميا محور المقاومة الذي أسسته ورعته إيران، وقد سبقتها في الخروج من المحور ذاته سوريا بعد انهيار نظام الأسد، ولم يبق من هذا المحور الذي كان يضم 4 عواصم عربية إلى جانب طهران سوى بغداد، وصنعاء.
هزيمة ميقاتي كانت نتاج تغير شامل للمشهد السياسي اللبناني بعد تعرض حزب الله لضربات كبرى من الكيان الصهيوني أفقدته قدرا كبيرا من قوته العسكرية ثم السياسية، وأجبرته على توقيع اتفاق مهين لوقف الحرب مع الكيان، وقد انعكس هذا التغيير لموازين القوى على اختيار رئيس الجمهورية الذي عطل حزب الله اختياره مدة سنتين، وعندما حلت ساعة الاختيار لم يتمكن الحزب وحليفته حركة أمل من تمرير مرشحهما المفضل فقبلا تمرير جوزيف عون ضمن تفاهم هش شمل تمرير ميقاتي لرئاسة الحكومة!!
مصير سلاح حزب الله
الرئيس الجديد جوزيف عون سارع في خطابه عقب فوزه مباشر بإعلان أنه لن يسمح بوجود أي سلاح سوى سلاح الدولة في إشارة واضحة إلى سلاح حزب الله، وكان ذلك صادما للحزب الذي كان قد امتنع عن التصويت في الجولة الأولى لجوزيف عون، حتى حدث تفاهم قبل الجولة الثانية دفعه للتصويت لصالحه، ولم تُعرف بشكل رسمي طبيعة هذا التفاهم، وما إذا كان متعلقا بسلاح الحزب، أم بأمور أخرى؟!
فقد الحزب إذن جزءا كبيرا من قوته العسكرية والسياسية، وظهر ذلك حتى قبل اختيار الرئيس ورئيس الحكومة، حيث لم يستطع الحزب منع تفتيش طائرة إيرانية هبطت في مطار بيروت يوم 2 يناير/كانون الثاني الماضي، وكانت تحمل أموالا للحزب نفسه حسبما ذكرت مصادر لبنانية، وهو انقلاب على المعاملة التمييزية الخاصة لإيران في السنوات الماضية حيث كان للحزب نفوذ كبير في تشغيل المطار.
هل يراجع الحزب مواقفه؟
بنى حزب الله سمعة جيدة لدى الشعوب العربية والإسلامية خاصة بعد مواجهته للعدوان الإسرائيلي عام 2006، لكنه خسر كثيرا من سمعته بعد تورطه في دعم نظام بشار الأسد ضد ثورة الشعب السوري منذ مارس/آذار 2011، حيث كانت مليشيات الحزب في طليعة المواجهة قبل الجيش السوري نفسه، ورغم أن الحزب أبلى بلاء حسنا في إسناد المقاومة الفلسطينية في حرب غزة الأخيرة، فإن موقفه في سوريا ظل وصمة عار كبرى في جبينه، وظل غصة في حلق كثيرين ممن ساندوا الحزب من قبل.
هل يدفع ذلك الحزب إلى مراجعة مواقفه وسياساته السابقة التي خصمت من سمعته؟ يفترض أن تكون الإجابة بالإيجاب، فالحزب هو كيان بشري غير معصوم، يخطئ ويصيب، وحتى الجيوش الكبرى، بل الدول تراجع سياساتها، وممارساتها لتحافظ على سمعتها وقوتها، والحزب يضم الكثير من العقلاء القادرين على إجراء هذه المراجعة حتى يستعيد قوته ويحسن صورته، وإلى جانب الحزب فإن إيران مطالبة أيضا بمراجعة بعض سياساتها الخارجية، خاصة تلك المشبعة بسمات طائفية.
قوى داعمة للمقاومة
لا يمكن القول إن لبنان غادر بشكل كامل محور المقاومة، هو غادر فقط على المستوى الرسمي، لكن الكثير من القوى اللبنانية لا تزال وفية للقضية الفلسطينية، وللمقاومة بشكل عام، وهذه القوى لا تقتصر على الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) بل تضم قوى سنية ودرزية ومسيحية أيضا، لكن هذه القوى ليست تابعة لإيران؛ ولذلك سيظل لبنان أحد الحواضن المهمة على المستوى الشعبي للقضية الفلسطينية، كما لن تقبل قواه الحية احتلال الكيان الصهيوني لأي شبر في جنوبه، حتى لو قبلت الحكومة ذلك.
ولا ننسى أن رئيس الحكومة الجديد نواف سلام هو مناصر قديم للقضية الفلسطينية، حيث عمل في مركز التخطيط التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد انتقالها إلى بيروت بعد “أيلول الأسود” عام 1970، وكان نشطا في حركة فتح، كما لا ننسى أنه كان يجلس على منصة محكمة العدل الدولية (رئيسا للمحكمة) حين أصدرت قرارا تاريخيا في 19 يوليو/تموز الماضي باعتبار الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية “غير قانوني”، ويجب أن ينتهي “في أسرع وقت ممكن”.