ظلال الاخبار

واحد، واحد.. الشعب السوري واحد | المقالات والدراسات

0:00

|

أجمل هتاف خرجت به الثورة السورية؛ كي تبتعد عن التغريب الممنهج الذي كرّسه آل الأسد وحزب البعث طوال ستة عقود من الزمن.

حتى عام 1958 كانت الحياة الديمقراطية في سوريا تسير بشكل معقول، قابل للتطور والتجذر مع وجود مجموعة من الأحزاب السياسية القادرة على الدفع إلى الأمام ولو ببطء، جاءت تجربة الوحدة مع مصر لتشكل ضربة قاصمة لهذه الحياة إذ تمّ حلّ كافة الأحزاب، وملاحقة المعترضين على ذلك، فكان أن تَوَّج حزب البعث في عام 1963 هذا المخطط ليستبد في السلطة، ومع انقلاب حافظ الأسد انتهى عصر الانقلابات العسكرية التي تعاقب فيها على رئاسة سوريا ضباط من الجيش السوري، وبدأ عصر الحكم العائلي متسترًا بحزب البعث وبقية الأحزاب المترهلة من كثرة الانشقاقات التي استطاع حافظ الأسد جمعها تحت ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية.

بدءًا من هذه اللحظة، بدأت حركة تغريب وإهمال للأكثرية السنية في سوريا، خاصة وأن حافظ الأسد لم ينسَ حتى مماته الحذاء الذي صفعه به أبناء محافظة إدلب، ولم ينسَ احتجاج أبناء مدينة حماة في بداية حكمه عندما أدخل تعديلاتٍ دستورية تخدمه بشكل خاص، على الرغم من أنّه زجّ بمعارضيه في سجن المزة مباشرة مدى الحياة، ومعظمهم ماتوا في السجن ولم يخرج منهم سوى رغيد الططري الطيّار “الحموي” الذي قضى أربعة وأربعين عامًا من عمره في السجن لرفضه أمر حافظ الأسد بقصف حماة.

حكم العائلة

لم يكن في ذهن حافظ الأسد سوى تثبيت حكم العائلة إلى الأبد فكان لابدّ من تكاثر فروع الأمن، وإطلاق يد قادتها ليتحكّموا بالمصائر، وكان لابدّ من الاعتماد على حثالة الشعب من مختلف الطوائف؛ لأنّهم الأكثر وفاء لسيدهم، وأشدُّ الناس تمسكًا بمكتسباتهم. وبعد أن اطمأن للبنية التحتية (الأمنية) التي أنشأها بدأ في اللحظة الحاسمة عام “1980” سلسلة مجازر أولها في محافظة إدلب، طالت مدينتي جسر الشغور وأريحا، التي مكّنته من زراعة بذور الخوف في نفوس السوريين جميعًا. أذلّ حلب، ودمّر حي المشارقة فيها وكانت أبشع مجزرة في صباح العيد. ثمّ ختم المجازر بمجزرة حماة “1982” إذ جمع عشرات الآلاف في المعتقلات غير مقتصر على جماعة الإخوان المسلمين، بل زجَّ كلَّ الأحزاب السريّة آنذاك في المعتقلات ومن بينهم حزب العمل (الشيوعي) الذي تقف أيديولوجيته على النقيض من إيديولوجيا الإخوان.

في هذه الأثناء لم تكن التغيرات السياسية هي الوحيدة تحت بؤرة الضوء، فقد تمّ وبمنتهى الهدوء البدء بسياسة التجهيل التي اعتمدت على توجيه التعليم، وتوجيه الإعلام بطريقة خبيثة تعزل طوائف و إثنيات الشعب السوري عن بعضها البعض، وتُجبر الأكثرية السنية على الانزواء والتقوقع، وبمساعدة الكثير من المثقفين البعثيين واليساريين تمت أدلجة المجتمع على الصمت والنسيان، وبدأت الحرب صريحة على الجهل، وبات من المسلّم به أنّ المتدين جاهل ومتخلف، وانتشرت عبارات الاستهزاء -ليس فقط في أوساط المثقفين، بل حتى أحيانًا ضمن أوساط شعبية معينة- ولم يقتصر الأمر على الناحية الدينية بل تعداها إلى حالة عنصرية أحيانًا وصلت أقصاها بعد انتفاضة الأكراد في مدينة القامشلي عام 2004 وصارت كلمة (بويجي) شتيمة؛ لأن بعض فقرائهم يعملون في تلميع الأحذية، ووجدنا هذه الشتيمة تستمرُّ لغاية اليوم تقريبًا.

وكان من نتائج هذه السياسة القذرة -التي اتّبعها حافظ وتابعها ابنه بشار بشكلٍ أشدُّ تطرفًا أثناء الثورة- أن ابتعدت الطوائف السورية عن بعضها خلال 54 عامًا من الهراء البعثي، وتقوقعت كلّ طائفة داخل درعها الخاص، وأصبحت العيون تنظر إلى بعضها محملة بالريبة والشك، وهذا الوضع الخطير لا يمكن علاجه في بضعة شهور من المظاهرات التي نادى فيها الثوار الأوائل (واحد، واحد، الشعب السوري واحد).

خاصةً وأنّ الثورة السلمية لم تستمرّ، ودخلنا في مرحلة الخراب العظيم باستخدام بشار للقوة العسكرية، واستخدام فائض العنف مستعينًا بقوى الخراب الدولي (إيران وروسيا) إنما يتطلب الأمر الكثير من الوقت والكثير من الجهد من مختلف مكونات الشعب السوري كي يتعرّف أحدنا إلى الآخر.

دعوة للتعارف بين أبناء سوريا الجديدة

لقد أنتج هذا الوضع حالة غربة باتت فيها الأكثرية السنية مبنية للمجهول، لا أحد يعرف عنها سوى كونها إسلامية يخافها العالم؛ لأنّ المسلمين حسب البروباغندا العالمية هم منتجون للإرهاب.

لهذا رأينا على سبيل المثال كثرة الانتقادات لما حصل في جامعة دمشق عندما قام الطلاب -بعد التحرير- بصلاة الغائب على شهداء سوريا، إذ لم يعتد الجمهور السوري سابقًا رؤية هذا المنظر. قد يكون اعتاد على حفلات رأس السنة وأعياد الميلاد، واعتاد على حفلات عيد الربيع في بلدة “شطحة” لكنّه لم يرَ منظر مسلمين يصلون داخل حرم الجامعة، رغم وجود أماكن مخصّصة للصلاة في كلّ كلية في الجامعات السورية.

آن الأوان لأن يتعرّف السوريون على بعضهم البعض. نظام الأسد انهار إلى غير رجعة، وانهارت معه سياسات التجهيل التي كان يعتمدها، ولأنّ آثارها ما زالت قائمة إذن يتوجب على الشعب السوري القيام بالكثير من المبادرات التي من شأنها أن تعزّز قيمة (قبول الآخر). صحيح أنّ مدينة إدلب لم تعد تلك المدينة المنسية المهمشة، وبقيت لسنوات عدة من عمر الثورة القلب الذي احتوى معظم مهجّري سوريا، لكنّ إدلب ومن سكن فيها من بقية المحافظات جميعهم من لون واحد، لون الأكثرية التي نسي الكثير من أبنائها وأبناء الأقليات الأخرى خصائصها وثقافتها وأحلامها.

رويدًا رويدًا أبناء سوريا فدولة المواطنة والقانون تعني بالدرجة الأولى احترام الآخر وقبوله للبحث عما يُغني وليس عما يُباعد.

,hp]K ,hp]>> hgauf hgs,vd ,hp] | hglrhghj ,hg]vhshj
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك
زر الذهاب إلى الأعلى

اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك