هذه الملفات ترسم ملامح العلاقات التركية السورية بعد سقوط الأسد
4/1/2025–|آخر تحديث: 4/1/202512:45 AM (بتوقيت مكة المكرمة)
في ظل التحولات المؤثرة التي شهدتها سوريا أخيرا، وعلى رأسها سقوط نظام بشار الأسد، تبرز تركيا طرفا رئيسيا في رسم ملامح المستقبل السوري. فمنذ اللحظات الأولى لتغيير موازين القوى في دمشق، سارعت أنقرة إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية والاقتصادية، مستثمرة علاقاتها التاريخية مع جارتها الجنوبية وموقعها الاستراتيجي في المنطقة.
يستعرض هذا التقرير الشامل، استنادا إلى آراء خبراء ومحللين بارزين، المحاور الرئيسية التي ستشكل مستقبل العلاقات التركية السورية في المرحلة المقبلة. ويركز بشكل خاص على ملفين محوريين: القضية الكردية والتعاون الاقتصادي، اللذين يُعَدان من أهم التحديات والفرص أمام صناع القرار في كلا البلدين.
اهتمامات اقتصادية
وأظهرت تصريحات المسؤولين الأتراك عقب سقوط نظام الأسد اهتماما كبيرا من جانب أنقرة بالعلاقات السياسية والاقتصادية مع دمشق، حيث تحدَّث وزير البنى التحتية التركي عبد القادر أوزال أوغلو عن إعادة تشغيل خط السكك الحديدية بين البلدين، وكذلك إعادة إعمار البنية التحتية لعدد من المدن السورية، وكذلك تصريحه بشأن توقيع اتفاقية الصلاحية البحرية مع سوريا.
من جانبه، صرَّح وزير النقل في حكومة تصريف الأعمال السورية بهاء الدين شرم بأن تركيا صاحبة تجربة جديدة في المجال البحري، مؤكدا رغبة الإدارة السورية في الاستفادة من هذه التجربة وتعميق علاقتها مع أنقرة، وأكد أيضا أهمية تفعيل خط حديدي بين البلدين.
وقال وزير التجارة التركي عمر بولاط إن وزارته تطلق خططا مكثفة لتعزيز التجارة مع سوريا، مضيفا أنهم سرّعوا الاستعدادات اللازمة لاستعادة الخط التجاري معها ومساعدة الإدارة الجديدة في إعادة بناء البلاد.
محوران للعلاقات التركية السورية
الباحث السياسي والكاتب الفلسطيني الدكتور جلال سلمي قال للجزيرة مباشر بشأن الخطط المستقبلية في العلاقات التركية السورية “من الناحية السياسية، من الواضح أن أنقرة تسعى لإبقاء محور النفوذ يدور في فكلها ومركز مصالحها القومية قدر الإمكان، وبذلك تسعى لشق طريق تسوية من خلالها يمكن تحقيق اعتراف دولي بالإدارة الجديدة في سوريا على أساس التوافق لا الشقاق أو الصراع”.
وأضاف سلمي أن أنقرة تنظر أيضا إلى “إمكان تسوية حقوق المكون الكردي شرق الفرات بمعزل عن فكرة الانفصال أو الحكم الذاتي، وإنما عبر إدارة ثقافية واجتماعية وربما أمنية لا مركزية، ولكن دون حكم ذاتي مشابه لشمال العراق“.
أما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، فأوضح سلمي أن تركيا تسعى لنقل تجارب عدة، يمكن من خلالها إدارة الدولة وتوفير ما يحتاج إليه المجتمع السوري من خدمات وسلع اقتصادية وصولا إلى تأهيل البنى التحتية التي تدهورت طوال سنوات الصراع، وفي إطار ذلك تسعى لعقد مؤتمر دولي بشأن سوريا.
إعادة إعمار سوريا
وقال مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة الدكتور سمير العبد الله للجزيرة مباشر “تركيا تعمل على تعزيز دورها في إعادة إعمار سوريا من خلال مشروعات استراتيجية، تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية بين البلدين”.
وأوضح العبد الله أن هذه المشروعات تشمل إعادة تشغيل خطوط السكك الحديدية، بما في ذلك خط يربط ولاية مرسين التركية بمحافظة حلب السورية، وخططا لإعادة تأهيل أجزاء من سكة حديد الحجاز التاريخية التي تصل إسطنبول بدمشق.
كما تسعى تركيا، حسب العبد الله، إلى تحديث البنية التحتية للمطارات السورية، مثل مطارَي حلب ودمشق، لتحسين السلامة الجوية وزيادة القدرة التشغيلية، كما ستعمل على إصلاح شبكات الطرق والجسور، مثل الطريقين السريعين “M4” و”M5″، وتطوير البنية التحتية للاتصالات، وإعادة تشغيل الموانئ السورية لتسهيل حركة التجارة البحرية.
وتولي تركيا اهتماما كبيرا بمشاركة القطاع الخاص في مشروعات إعادة الإعمار في سوريا، حيث رأى العبد الله أن الشركات التركية ستسعى إلى تحقيق مكاسب اقتصادية واستثمارية تعود بالنفع على الاقتصاد التركي في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
الاتصالات والأمن
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة صباح زعيم الدكتور عبد المطلب أربا للجزيرة مباشر “تركيا من أول دقيقة مهتمة بسوريا فيما يتعلق بالسياسة والأمن وغير ذلك، فهي تأخذ على عاتقها المسؤولية حول إعادة بناء سوريا على كل المستويات في ما يتعلق بالخدمات والإعمار”.
وأوضح أربا أن الحكومة التركية اتخذت قرارا في آخر اجتماع لها برئاسة أردوغان يختص بإعداد كل وزارة ما يتعلق بمهامها بالوزارات داخل سوريا وتقديم خدمات تخصصية، ومن ضمن ذلك وزارة البنية التحتية التركية التي أعدت مذكرة بشأن خط السكك الحديدية بين مرسين وحلب الذي كان يعمل في عام 2010 وتوقف بعد اندلاع الثورة السورية، وهو خط يبلغ طوله 375 كيلومترا.
وأضاف أن تركيا جاهزة لفتح خط السكك الحديدية مع سوريا، كما أن وزارة النقل والبنية التحتية التركية مهتمة بإحياء المطارين الدوليين في دمشق وحلب، والتعاون في ما يتعلق بالموانئ والاتصالات وترميم الطرق في سوريا.