مصر.. ملايين يعانون من سوء التغذية مع ارتفاع الأسعار
يتوجه هاشم بسيوني أسبوعيا بصحبة زوجته إلى مركز متخصص في علاج مرض التقزم لعلاج ولديه حاتم وسعيد من أعراض قصر القامة التي شخصتها قافلة للصحة المدرسية.
وأطلقت وزارة التعليم المصرية هذه القافلة على وقع تحذيرات دولية من انتشار رباعي سوء التغذية في مصر، وهو التقزم و”الأنيميا” وفقر الدم والسمنة.
لم تكن أسرة بسيوني، الموظف بوزارة الأوقاف، الوحيدة التي تعاني من التأثيرات الضارة لسوء التغذية على أبنائها، لكن هناك حالات أخرى متعددة، حسبما قال للجزيرة مباشر.
وتشير نرمين منير، طبيبة الصحة المدرسية في منطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة، في حديثها للجزيرة مباشر إلى “حالة استنفار” من وزارتي التعليم والصحة للكشف عن الحالات وعلاجها، موضحة بأن التحرك كان ضروريا بعد تزايد حالات سوء التغذية.
تحذير من الأمم المتحدة
وحذر تقرير للأمم المتحدة من أن نسبة من يعانون من سوء التغذية في مصر ارتفعت تدريجيًا من 4.8% عام 2002، إلى 5.2% عام 2011، ثم قفزت في 2016 إلى 6.3%، ووصلت إلى 8.5% في 2023.
ومنذ بداية العام الدراسي 2023 / 2024 وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تحدثت الحكومة عن توزيع 435 مليون وجبة مدرسية على الطلاب، منها 368 مليونًا لطلاب المدارس العامة و67 مليونًا لطلاب الأزهر.
وتشدد الحكومة على احتواء الوجبة على العناصر الغذائية التي تكافح “الأنيميا” والتقزم والسمنة.
ارتفاع تكاليف المعيشة
في المقابل يقول كثيرون إن القضية لها أبعاد اقتصادية واجتماعية نتيجة زيادة الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة خلال السنوات الماضية، كما أشارت لهذا لبنى درويش، معلمة لغة فرنسية، عبر منص “إكس” قائلة “حرفيا مصريين كتير بيناموا من غير عشاء”.
حرفيًا مصريين كتير بيناموا هم وعيالهم من غير عشاء.
تعريف الفاو لانعدام الأمن الغذائي الشديد أن الشخص ما يبقاش عنده أكل ليوم أو أكتر: 11.5 مصري ومصرية.
انعدام الأمن الغذائي المتوسط هو تقليل جودة أو التنوع الأكل أو تقليل كميته أو عدد الوجبات لأنه غير قادر: 21.6 مليون إضافيين. pic.twitter.com/6DtpHFOdWi
— Lobna Darwish (@lobna) December 22, 2024
ولفت عمر قنديل، استشاري التغذية العلاجية، في حديثه للجزيرة مباشر إلى تغير الأنماط الغذائية للمصريين، وهو ما ترك آثاره في الصحة العامة، وخصوصا لدى الأطفال وحديثي الولادة نتيجة ضعف الأمهات.
وأضاف قنديل “العديد من الأطفال يعانون التقزم بسبب اختلال نمط الغذاء”، موضحا أن التقزم هو تأخر النمو بشكل يؤثر في طول الطفل وحركته، ويضعف قدرته على أداء الوظائف الطبيعية اليومية.
وتابع “هذا الاضطراب يحدث بسبب نقص هرمون النمو الذي يرتبط بسوء تغذية الطفل وكذلك الأم في فترة الحمل، بالإضافة إلى عوامل وراثية”.
طبيبة الأطفال مي حامد، دعت في حديثها للجزيرة مباشر، إلى التحرك الفوري بالشهور الأولى للطفل، موضحة أن طول الطفل الطبيعي المكتمل النمو يتراوح بين 50 إلى 60 سنتيمترًا عند الولادة.
وتشير الطبيبة إلى ضرورة توفير التغذية السليمة للأم والطفل ونشر التوعية بمخاطر “الأنيميا” والتقزم وفقر الدم، مؤكدة أن السمنة تشكل أيضًا بُعدًا خطيرًا للأزمة كونها تنتج عن اختلال منظومة الغذاء وتغير العادات الاجتماعية التي جعلت الأطعمة السابقة التجهيز والوجبات السريعة تتصدر الأولوية.
انعدام الأمن الغذائي
ولفت تقرير الأمم المتحدة إلى أن 33 مليون مصري يعانون انعدام الأمن الغذائي وأن 9 ملايين مصابون بسوء التغذية، وهو ما يؤشر، برأي أستاذ علم النفس الاجتماعي جمال عبيد، إلى أن الأزمة تكشف سلوكيات فرضتها متغيرات اقتصادية واجتماعية ونفسية.
وقال عبيد للجزيرة مباشر إن “استسهال الوجبات السريعة بلغ حد الإدمان لدى البعض، وتحول إلى نمط سلوكي بسبب إلحاح الدعاية الإعلانية والرغبة بتقليد بعض الثقافات”.
واعتبر عبيد أن طوابير الشباب أمام مطاعم الوجبات السريعة تثير الدهشة، معربا عن أسفه لفشل محاولات التوعية.
كما لفت إلى أن “ثقافة المصريين في تناول وجبة الفول من عربة طعام متنقلة بالشارع كانت ولا تزال أقل سوءا من الوجبات سابقة التجهيز”.
وحسب تقرير أممي فإن أزمة السمنة نتيجة خلل نمط التغذية لا تتوقف عند الأطفال، إذ سجلت مصر أعلى معدل في المنطقة العربية بالسمنة المفرطة عند البالغين بنسبة تصل إلى 44.3% عام 2022.
كما عانت نسبة تبلغ 28.3% من النساء في سن الإنجاب (من 15 إلى 49 سنة) من “الأنيميا”، وهو ما يفسر برأي طبية الأطفال مي حامد تراجع معدلات الرضاعة الطبيعية التي توصف بخط الدفاع الأول للصحة الغذائية.
أسر تحت خط الفقر
ويلفت الباحث الاقتصادي محمد عامر إلى عجز قطاعات متزايدة عن توفير الغذاء الصحي، موضحا أن صعوبة الحصول على نظام غذائي متوازن يتجاوز الحد الأدنى للأجور البالغ 6 آلاف جنيه (نحو 120 دولارا) يضع، كما يقول، ملايين الأسر أمام خيارات صعبة ويجعلها فريسة لسوء التغذية، وخصوصا تلك التي تقع تحت خط الفقر.
ويضرب عامر مثالا باختفاء بيض المائدة والسلطة من موائد الكثير من الأسر، بسبب ارتفاع أسعار مكوناتها، مضيفا أن بعض الأسر تعيد ترتيب أولويات الطعام “لدرجة الاقتصاد في تناول الخبز” على حد تعبيره.
وبحسب دراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية فإن الخبز يمثل مسألة حساسة لدى المصريين حيث يعتمدون عليه بشكل كبير في غذائهم اليومي.
ارتفاع سعر الخبز
وتضيف الدراسة “القمح كان مسؤولا عن توفير نحو 39% من السعرات الحرارية اليومية للمصريين خلال السنوات الماضية، كما زاد اعتماد محدودي الدخل على الخبز الذي تضاعف سعره 4 مرات خلال العامين الماضيين وذلك لعدم القدرة على توفير السلع الغذائية الأخرى كاللحوم والخضروات والفاكهة”.
وتحذر الدراسة من أن ارتفاع الأسعار “سيؤدي لا محالة إلى تقليل الكميات المستهلكة، ويعرض الكثير من المصريين الفقراء لخطر الجوع الحقيقي، وعدم الحصول على السعرات الحرارية اللازمة للحياة”.
وقلص انخفاض القدرة الشرائية لمعظم الأسر المصرية من إمكانية شراء الأغذية البروتينية، وأجبر كثيرين، كما يقول استشاري التغذية العلاجية عمر قنديل، على تغيير نظامهم الغذائي وتخفيض استهلاكهم من الطعام الصحي.
وحسب بيانات جهاز الإحصاء فقد ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 73%، بينما ارتفعت أسعار الألبان والبيض بنسبة 55% والخضروات 83%، خلال الفترة من بداية عام 2024 حتى سبتمبر/أيلول 2024 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.