غزة وفلسطين في التوراة.. وأكذوبة أرض إسرائيل
يحاول الإسرائيليون تمرير أكاذيب عن حقوق دينية وتاريخية في فلسطين وأجزاء من أراضي الدول العربية المحيطة بها، ويروّج القادة المتطرفون في الكيان الصهيوني في الفترة الأخيرة خرائط مزعومة تفضح نياتهم التوسعية، لكن الجديد هو انضمام القادة الأمريكيين إلى هذه الحملة العدوانية، إذ أعلن ترامب عزمه على ضم قطاع غزة وطرد الفلسطينيين منه، وأنه سيقرر مستقبل الضفة الغربية خلال الأيام المقبلة!
وفي خطوة استفزازية، أعلن عدد من النواب الجمهوريين في الكونغرس إنشاء مجموعة باسم “أصدقاء يهودا والسامرة”، وقدَّموا مشروع قانون يحظر مصطلح “الضفة الغربية” في الوثائق الحكومية الأمريكية، واستبدال عبارة “يهودا والسامرة” بها، وهو الاسم التوراتي للضفة، وزعموا أن “الحقوق القانونية والتاريخية للشعب اليهودي في هذه الأرض تعود إلى آلاف السنين”!
يستخدم الصهاينة التكرار والإلحاح في الحديث عن مزاعم توراتية عن “أرض إسرائيل” لتثبيت الفكرة في أذهان اليهود، للحصول على مشروعية أخلاقية للمشروع الاستعماري الاستئصالي الذي يستخدم قشرة دينية لإقناع يهود العالم للقدوم والاستيطان، والمشاركة في الدفاع عن الكيان الذي تم غرسه كدولة حاجزة، تفصل الجناح الآسيوي للعالم الإسلامي عن الجناح الإفريقي، وأيضا من أجل إقناع العالم المسيحي بأن حماية الكيان الصهيوني واجب ديني، وليس فقط لأنه رأس حربة لحماية مصالح الدول الغربية الاستعمارية.
نصوص التوراة تنفي مزاعمهم
لم يستطع اليهود بعد خروجهم من مصر هربا من فرعون تأسيس دولة مستقرة، فمنذ اليوم الأول بعد عبورهم البحر ورؤية المعجزة كفروا بالله وعبدوا العجل، ورفضوا طاعة الأمر بدخول الأرض المقدسة وقتال الوثنيين، فعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة حتى مات جيل العصاة، ومات موسى غاضبا عليهم قبل دخولهم فلسطين، ثم تولى فتى موسى يوشع بن نون القيادة، وبعد الكثير من المعارك سكن اليهود في المرتفعات بعيدا عن السكان الذين يفوقونهم عددا وقوة.
تشير نصوص التوراة إلى أن بني إسرائيل ظلوا معظم فترات وجودهم في فلسطين يعيشون في قلق وخوف من الفلسطينيين، ولم يستطيعوا تأسيس دولة موحدة، وإنما كانوا يعيشون في مناطق متناثرة بعيدا عن التكتلات البشرية العربية، إلا في فترة داود وسليمان التي لم تزد على 80 عاما، نصفها الأول كان حروبا متواصلة خاضها داود لإخضاع الشعوب العربية في الأردن والشام، والكنعانيين الوثنيين، لكنه لم يسيطر على كل الساحل الفلسطيني، والنصف الثاني في عهد سليمان لم يدم الاستقرار طويلا إذ شهد انقسامات وصراعات تفجرت في الأيام الأخيرة من حياته.
ولأن سليمان كان نبيا مؤيدا وأعطاه الله ملكا لم يعطه لأحد غيره، خضعت له شعوب المنطقة، ومنها الفلسطينيون الذين يسيطرون على الساحل، ولكن بعد وفاة سليمان انقسمت المملكة إلى شمالية باسم “إسرائيل” تتكون من 10 قبائل، وجنوبية باسم “يهوذا” تتكون من قبيلتين، على مساحتين صغيرتين، وبقيت المدن الفلسطينية الخمس “غزة وأشدود وعسقلان وجت وعقرون” عصية على الاحتواء، وكان الساحل اللبناني تابعا لملك صور “حيرام” الذي كان صديقا لداود وسليمان، يرسل إليهما الأخشاب مقابل القمح وزيت الزيتون.
عبدوا الأصنام فحل عليهم الخراب
عبد يهود المملكة الشمالية البعل وعشتروت وارتكبوا كل الموبقات، والأمر نفسه فعله يهود المملكة الجنوبية، وتصارعت المملكتان، وسفك اليهود دماء بعضهم بعضا، وتصارع الشماليون مع الآراميين والشعوب العربية المجاورة ودفعوا الجزية إلى الآشوريين، ودفعت المملكة الجنوبية الجزية إلى فرعون مصر شيشنق مؤسس الأسرة الثانية والعشرين (943-922 ق.م) بعد أن هجم عليها وخربها، وقضى الله بزوال المملكتين فجاء الآشوريون في 722 ق.م ودمروا “إسرائيل” وأخذوا اليهود منها وبقي العرب، فاختفت القبائل العشر منذ ذلك اليوم.
أما مملكة “يهوذا” فقد سلط الله عليها البابليين، فهجم عليهم نبوخذ نصر في عام 587 ق.م، ودمر هيكلهم ومعابدهم واستولى على ما بها من ذهب وجواهر، ثم قام بإجلاء اليهود واقتادهم إلى بابل في ما يُعرف بـ”السبي البابلي”، وظلوا هناك 50 عاما حتى سقوط الإمبراطورية على يد الملك الفارسي قورش، الذي أعاد جزءا من اليهود إلى فلسطين مرة أخرى، فظلوا تابعين له، حتى جاء الإغريق وأذلوهم، ثم الرومان وأخرجوهم من فلسطين نهائيا عام 70 م، بسبب محاولاتهم الفاشلة للتمرد ومؤامراتهم ودسائسهم.
الله سلَّمهم إلى يد الفلسطينيين معظم الفترات
تؤكد نصوص التوراة أن العهد المزعوم بأن الله أعطاهم الأرض من الفرات حتى نهر مصر (المقصود به نهر العريش وليس نهر النيل كما يروج البعض) لم يتحقق في ظل العلو الإسرائيلي الأول وكان معهم أنبياء بني إسرائيل، فقد ورد ذكر كلمة “غزة” في التوراة 23 مرة، و”الفلسطينيين” 238 مرة، معظمها يدور حول الحروب بين اليهود والفلسطينيين، وغالبا كانت لصالح الفلسطينيين.
بعد وفاة يوشع بن نون عاش اليهود في عصر القضاة، وامتدت تلك الفترة 230 عاما (موسوعة المسيري)، وتؤكد التوراة أن اليهود عاشوا منها 131 عاما تحت سيطرة الفلسطينيين، ففي سفر القضاة تفاصيل عن الذل الذي تعرَّضوا له عقابا على كفرهم وعبادة آلهة أخرى، فقد “عمل بنو إسرائيل ما هو شر في عيني الله. نسوا الله إلههم، وعبدوا البعل والأعمدة التي تعبدها الأمم. فثار غضب الله على إسرائيل، فباعهم إلى يد كوشان رشعتايم ملك آرام النهرين، فاستعبدهم ثماني سنين”.
وتكررت النصوص حيث “استعبد عجلون ملك موآب بني إسرائيل ثماني عشرة سنة” و”باعهم الله إلى يد يابين ملك كنعان عشرين سنة” و”أوقعهم الله في يد مديان سبع سنين” و”ثار غضب الله على بني إسرائيل فباعهم إلى يد الفلسطينيين وإلى يد بني عمون فقهروهم واضطهدوهم ثماني عشرة سنة”، وقبل ظهور شمشون “أوقعهم الله في يد الفلسطينيين أربعين سنة”.
قتل شمشون في غزة
قبل ظهور شمشون الأسطورة الشهيرة، كان اليهود يعيشون في الذل، ولم يتغير الوضع كثيرا مع اختيار شمشون قاضيا لبني إسرائيل مدة عشرين سنة، ورغم ما يتمتع به من قوة خارقة فلم يستطع هزيمة الفلسطينيين، وانتهت حياته بأسره في غزة، بعدما نجحوا في معرفة سر قوته وأنها في شعره، فحلقوا له رأسه وهو نائم وأمسكوا به “وقلعوا عينيه وأوثقوه بسلاسل نحاس وكان يطحن في بيت السجن”.
وفي يوم الاحتفال جاؤوا به ليتفرجوا عليه “فدعوا شمشون من السجن، فلعب أمامهم. وأوقفوه بين الأعمدة”، فقال شمشون للغلام الماسك بيده “دعني ألمس الأعمدة القائم البيت عليها لأستند إليها”، و”قرر الانتحار بأن وقف بين العمودين اللذين يحملان السقف الذي يقف عليه المحتفلون، وكان شعره قد نبت واستعاد قوته، فأسقط العمودين فانهار البناء بمن فيه وفوق رأسه فمات، وانتظر إخوته حتى وقت متأخر من الليل، ونزلوا وأخذوا جثته وصعدوا بها إلى الجبل ودفنوه”.
هزيمة شاول وقتله هو وأولاده
في نهاية حقبة القضاة طلب اليهود من نبيهم صموئيل أن يختار لهم ملكا، فاختار لهم شاول الذي ذكره القرآن باسم “طالوت” فحكمهم 20 سنة، وأشارت التوراة إلى أن حياته كلها كانت حروبا مع الفلسطينيين، وحسب النصوص في سفر صموئيل خسر معظمها، ومات مقتولا هو وابناه اللذان كانا يقاتلان معه في معركة مع الفلسطينيين في جبل جلبوع (شرق جنين)، وقطعوا رأسه وسمَّروا جسده على سور المدينة، فنزل اليهود بالليل وأخذوا جثته وجثث أولاده ودفنوهم.
وتولى الملك بعد شاول داود الذي كانت بداية ظهوره قتل القائد الفلسطيني الوثني جليات (في القرآن جالوت)، وطوال عهد داود لم تتوقف الحروب مع كل القبائل حتى تولى سليمان من بعده، وتمتلئ التوراة بالنصوص التي تفضح انحراف اليهود ونسيان فضل الله، وقتلهم أنبياءهم الذين حاولوا منعهم من عبادة الأوثان والذبح للأصنام مما أغضب الرب عليهم.
تنفي أسفار التوراة مزاعم اليهود عن إقامة دولة باسم “إسرائيل الكبرى”، ولا يوجد أثر واحد يؤكد أن اليهود عاشوا في كل أرض فلسطين، بل كان وجودهم مؤقتا وعابرا في فترة ضعف الإمبراطوريات الكبرى، التي سرعان ما عادت وسيطرت على الشام كله.
إذا كان اليهود قد عجزوا في علوهم الأول عن هزيمة الفلسطينيين عندما كانوا وثنيين، فلن يستطيعوا في علوهم الثاني الانتصار على الفلسطينيين المؤمنين بالله وكتبه ورسله، بل سترتد الكرة عليهم من مقاتلين أولي بأس شديد، وطوفان الأقصى مجرد بداية.