ظلال الاخبار

غزة الأمل بين المتشائمين ومحترفي الصفقات!

0:00

بعد 470 يوما من الحرب على غزة، ينتفض الفلسطينيون من تحت الأنقاض لإقامة أفراح ممزوجة بالألم والحسرة على الشهداء الذين قضوا نحبهم بأشرف وأطول معركة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، قائلين”جنة.. جنة.. جنة.. تسلم يا وطنّا”. بقدر عشقهم للشهادة، في سبيل الله والوطن، فالأمل لديهم باستعادة بناء البيت الكبير من جديد أقوى وأشد عمقا.

لم تتوقف الأفراح منذ جاء الاختراق الأخير بالمفاوضات، المبرم بالعاصمة القطرية الدوحة، الأسبوع الماضي، حيث كان الوسطاء المصريون والقطريون يتبادلون رسائل اتفاق الهدنة المؤدية إلى وقف دائم لإطلاق النار بين مسؤولي حماس ووفد الاحتلال. يلملم الغزاويون أجساد الشهداء المتناثرة تحت الأنقاض وفي القبور الجماعية، لوضعها بمكان يليق بجلال أعمالهم، ونثر ما تبقى من رماد تحت أشجار الزيتون، لتستمد من جيناتهم شموخا وعطاء، بينما هم يشرعون ببناء الوطن من جديد.

” غزة في عيد” الجرحى يتنفسون الصعداء والفرحة غامرة”، هكذا تفاخر كثير من الفلسطينيين، على مدار الأيام الماضية. يشعرون بالفرح رغم كم الخسائر الفادحة التي تحملوها، بالمقابل تشهد مدن الاحتلال مظاهرات عارمة، قليل منها مرحب بالاتفاق وإطلاق الأسرى، وكثير يكفرون به، تقودهم عصابة اليمين الصهيوني المتطرف المعارضة لرضوخ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لمطالب حركة حماس.

هل تزول حماس للأبد؟!

يقول السفهاء من الناس: ماذا يدفع الفلسطينيين إلى الفرحة، باتفاق هدنة، قد لا تدوم واتفاق وقف إطلاق نار دائم يحتاج إلى مدة طويلة، للشروع في تنفيذه، في ظل قيادة اعتادت التراجع عن تعهداتها وتحالف سياسي كلما أطفأ حربا يشعل أخرى، وصفه الرئيس الأمريكي بايدين صديقهم الصهيوني وأحد رعاة الاتفاق بأنه الأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال؟!

يستشهد هؤلاء بحجم التدمير الشامل الذي أصاب 90٪ من منشآت غزة، وأدى إلى مقتل نحو 47 ألف فلسطيني وسقوط 110 آلاف جريح، وبقاء عشرات الآلاف تحت الأنقاض، وتشريد مليوني إنسان.

يقول المخلفون الذين رتبوا من قبل لمشاركة إسرائيل في إدارة قطاع غزة، بأن الهدنة لن تتحقق إلا إذا ضمن الشهود على الاتفاق والمجتمع الدولي، زوال “حماس” للأبد، وفوجئوا بأن الطرف الإسرائيلي الذي يرفض أي تدخل في مستقبل غزة من قبل حماس، وقع معها اتفاق الهدنة وخطة وقف الحرب، ويعارض بالقدر نفسه حكم السلطة الفلسطينية، التي وافق على إنشائها بموجب اتفاقية اسلو للسلام قبل 3 عقود.

رغم قبول الصين توصل الطرفين إلى هدنة توقف الدمار الشامل، فإن وسائل الإعلام التي تديرها رسميا ومن وراء جدر، كتبت على صدر صفحاتها الأولى” صفقة وقف إطلاق النار بلا ضمانات في السلام”. اختارت بيجين الوقوف بجانب الخوالف، الذين تركوا المقاومة الفلسطينية تدير معركة ضد عدوان وحشي، مدعوم بأحدث الأسلحة والمال والإعلام، دون أن تدير وجهها لحليفتها إسرائيل، مقتصرة على تنظيم لقاءات ونداءات معدودة لوقف الحرب، بينما تركت الساحة مفتوحة أمام تل أبيب وواشنطن، لتفعل بالمنطقة ما تريد.

التفاؤل بالنصر

تقود الصين معسكر التشاؤم. فوفقا لرؤيتها لا يوجد توافق بالأفق، بشأن مستقبل إقامة الدولة الفلسطينية، التي تمثل العقبة الكؤود بمسار الصراع العربي الاسرائيلي. يرى علماء النفس أن التشاؤم والحذر الزائد المعلن من قبل الدول والأشخاص له فوائد، حيث يدفع المتفائلين إلى بذل المزيد من الجهد، حتى لا يقتل الأمل بغد أفضل، ولا يشكل حالة مرضية تصيب أصحابها بخوف دائم يزرع الشلل في العقول.

يحيا الغزاويون بالأمل الذي لا يملكون غيره، وهي نفس الحال التي ظل عليها المصريون لسنوات الحرب مع العدو، بعد نكسة 5 يونيو 1967. فقد كانت الدول العربية أمة منهكة ومصر دولة مدمرة وأكثر فقرا خلال الحرب وما بعدها، إلا أنها لم تفقد التفاؤل في أن تتمكن يوما من الثأر والانتصار بمعركة طويلة، تفوز فيها بالنقاط. ازدهر التفاؤل بالنصر بالساعات الأولى من حرب أكتوبر 1973، أدرك المصريون أنهم يستطيعون الفوز مع لحظات العبور الأولى.

في مقابلة صحفية مع رئيس أركان الجيش المصري الراحل الفريق سعد الدين الشاذلي، أخبرني أن النصر لا يأتي عادة لمن يملكون السلاح الأقوى، وإنما لمن لديهم عقيدة قتالية وإيمان بقدرتهم على تحقيق النصر لهدف نبيل يقنع العالم بعدالة قضيتهم، ويجعل الشعوب إن لم تساعدهم، فعلى الأقل لا تقف بصف عدوهم. أهداني “الشاذلي” نسخة من كتابه “العقيدة القتالية” التي أدخلها لتربية الجنود والضباط على الانضباط العسكري، فترة الاستعداد للحرب، تعتمد على الثقة بالله والنفس وحب الشهادة، وبذل كل ما يملك المقاتل للحفاظ على أرضه مهما عظمت التضحيات، والأهم ألا يعتمد على غيره أثناء الحرب وألا ينتظر من أحد أن يأتي له بالنصر على طبق من ذهب.

لهذا لم يفزع “الشاذلي” من قرار الرئيس السادات بترحيل الخبراء الروس من مصر قبل شن المعركة بأشهر قليلة، ولم يزعجه في حينه، عدم التزام الصين بتوريد احتياجات الدولة. درب القائد الراحل الجنود على خوض المعارك بما يملكون من إمكانات بسيطة. انتصر المصريون بعقيدة قتالية صحيحة، وعندما بدأ إيمان القائد الأعلى ينفد، ويخشى تدخل أمريكا في الحرب، تعجل وقف إطلاق النار، عبر مفاوضات يقودها الثعلب هنري كيسنغر لصالح العدو، فوقعت الثغرة، وسعت إسرائيل إلى تحويل اقتحامها مدينة السويس غرب القناة إلى نصر مزيف.

صفقات العار

علينا الاعتراف بأن حجم الدمار الذي أصاب غزة، ليس له شبيه إلا ما ارتكبه حلف الناتو بمدن ألمانيا، أثناء الحرب العالمية الثانية، وما ألقته الولايات المتحدة من قنابل نووية على اليابان، وما دمرته بالأسلحة الكيماوية بمدن وغابات فيتنام، ومع ذلك فإن القرح الذي أصيب به الفلسطينيون أصاب الإسرائيليين قرح مثله بل أشد وأعظم فتكا.

تشهد أرقام دائرة الإحصاء الإسرائيلية، تراجعا بعدد سكان دولة الاحتلال 2024، لمغادرة 82.7 ألف مستوطن البلاد، في هجرة عكسية، وهروب المستثمرين وانخفاض بالعملة وزيادة الديون. يعترف التحالف الصهيوني الحاكم بفشل أجهزة مخابراته المدعومة دوليا، بالتوصل إلى موقع الأسرى المحجوزين، وعدم قدرة الجيش على إتمام مهمته بغزة والقضاء على حماس، مع فشل نتنياهو بإيجاد بديل يحكم غزة، بالتحالف مع الخوالف العرب وعناصر السلطة الفلسطينية أو إحراز انتصار سياسي، يمكنه من إنهاء المعركة لصالحه والبقاء بالحكم، دون دعم من خارج تحالف اليمين ومباشر من الرئيسين الأمريكيين السابق والقادم.

وأفشلت المقاومة خطة نتنياهو لتعديل خريطة الشرق الأوسط، التي استهدفت ترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن والشتات. وظهر للعيان أن المقاومة دافعت منفردة عن أرضها للبقاء بصمود بالقطاع والضفة أحياء أو شهداء، بينما يخشى المسؤولون وجنرالات الاحتلال مغادرة مطاراتهم خوفا من ملاحقتهم جنائيا، بعد أن أصبحوا ودولتهم سيئة السمعة، مكروهة بين الشعوب، ومطلوبة أمام القضاء الدولي بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

انتصرت غزة بشعبها على الخوف والإبادة، والمعاناة والدمار. سيعود النازحون إلى بيوتهم في الشمال وبناء خيام وبيوت مؤقتة بالجنوب، وسينتهي الحصار والجوع، فلا خوف اليوم إلا ممن يحاولون القفز حول مشهد الفرحة، بعقد صفقات خفية خلف الستار للاعتراف بدولة الكيان مقابل سلام هش لم يشاركوا في صنعه أو تحملوا تبعاته.

y.m hgHlg fdk hgljahzldk ,lpjvtd hgwtrhj!
اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره
زر الذهاب إلى الأعلى

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر