خبير موارد مائية يكشف أسرار لـ مصر الآن عن علاقة جمال عبدالناصر بسد النهضة الإثيوبي
مع دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، برزت تساؤلات عديدة حول انعكاسات هذه الاتفاقية على حوض النيل، وتحديدًا على دولتي المصب: مصر والسودان.
في هذا السياق، تواصل “المصري الآن”، مع دكتور عباس شراقي خبير الموارد المائية، للحديث عن هذه الاتفاقية، والكشف عن تفاصيل مستجدات سد النهضة.
اتفاقية عنتيبي التي صادقت عليها 6 دول من دول حوض النيل من أصل 11، تثير جدلًا واسعًا حول مدى إلزاميتها للدول غير الموقعة، حيث لم تنضم مصر والسودان إلى الموقعين عليها. فما الذي تعنيه هذه الاتفاقية بالنسبة لأزمة سد النهضة؟ وما هي المخاطر التي تواجه دول المصب؟
اتفاقية عنتيبي: الخلفية والتداعيات
اتفاقية عنتيبي، المعروفة أيضًا باتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل، تم توقيعها لأول مرة عام 2010 في مدينة عنتيبي بأوغندا، وتعد من أكثر الاتفاقيات المثيرة للجدل في المنطقة.
وبحسب تصريحات دكتور عباس شراقي، تضمنت الاتفاقية 44 بندًا تم إعدادها بشكل رئيسي من قبل دول المنبع، وعلى رأسها إثيوبيا. بينما تضمن الاتفاق تحقيق مطالب دول المنبع فيما يتعلق بمياه النيل وحقوقهم في إقامة المشروعات المائية دون التشاور مع دول المصب، مثل مصر والسودان، والتي ترفض معظم بنود الاتفاقية.
واحدة من النقاط الرئيسية التي تعترض عليها مصر والسودان هي حقوق دول المنبع في إقامة المشروعات المائية الكبرى، مثل سد النهضة، دون الرجوع إليهما.
في هذا السياق، يوضح د. عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بجامعة القاهرة، أن هذه الاتفاقية لن تكون ملزمة لمصر والسودان طالما لم يوقعا عليها. وأكد شراقي أن أي قرارات تتخذها دول المنبع المصدقة على الاتفاقية لا تلزم مصر بشيء، حيث أن الاتفاقية ملزمة فقط للدول الموقعة.
سد النهضة واتفاقية عنتيبي: تعقيدات جديدة
سد النهضة يمثل أحد أبرز المشروعات المائية التي تعززت بموجب هذه الاتفاقية، حيث تعتبر إثيوبيا أن الاتفاقية تمنحها الشرعية الدولية لإقامة مشروعات ضخمة كمشروع السد، دون التشاور مع دول المصب. لكن ماذا يعني ذلك على أرض الواقع؟
يشير د. شراقي إلى أن مصر والسودان يحق لهما الاعتراض على أي مشروع مائي يؤثر على حصتهما من مياه النيل، سواء كان ذلك بموجب اتفاقية عنتيبي أو غيرها. كما أشار إلى أن المنظمات الدولية والدول الأجنبية لا يحق لها دعم هذه المشروعات سواء من الناحية المادية أو الفنية، ما لم يتم التوافق بين جميع دول حوض النيل، بما في ذلك دول المصب.
أسباب اعتراض مصر والسودان على بنود اتفاقية عنتيبي
من بين 44 بندًا في اتفاقية عنتيبي، تعترض مصر والسودان على بندين رئيسيين، بينما يمكن القول أن هناك توافقًا على البنود الأخرى. هذان البندان يتناولان بشكل مباشر حقوق دول المصب في الحصول على حصة عادلة من مياه النيل، وضرورة التشاور قبل إقامة أي مشاريع مائية قد تؤثر على تلك الحصة.
من هنا، يرى خبراء المياه أن هذه البنود هي التي تحول دون تصديق مصر والسودان على الاتفاقية، حيث تشعران بأن الاتفاقية تضر بمصالحهما المائية، خاصة في ظل مشروع سد النهضة الذي اكتمل بناؤه الخرسانى وتخزين مياهه.
سد النهضة: الحقائق والمستجدات
سد النهضة يعتبر أكبر سد في أفريقيا، وتبلغ سعة تخزينه حوالي 60 مليار متر مكعب من المياه. وقد اكتمل بناء السد وامتلأ بالخزان إلى سعته القصوى خلال سنوات قليلة. ومع أن السد قد اكتمل إنشائيًا بنسبة 100%، فإن تشغيله بالكامل لا يزال يعتمد على تركيب التوربينات اللازمة لتوليد الكهرباء. وفقًا لما ذكره د. شراقي، تم تركيب أربعة توربينات فقط من أصل 13 توربينًا، مما يعني أن السد لم يكتمل كهربائيًا بعد.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل إتمام السد يؤثر على مصر والسودان بشكل مباشر؟ الجواب نعم، حيث أن تشغيل السد وتنظيم تدفق المياه سيؤثر على كمية المياه التي تصل إلى دول المصب، خاصة في فترات الجفاف.
اتفاق المبادئ وتداعياته على الوضع الراهن
في عام 2015، وقعت مصر وإثيوبيا والسودان على اتفاق المبادئ، والذي نص على التعاون في ملء وتشغيل سد النهضة. لكن د. شراقي يرى أن هذا الاتفاق أصبح بلا قيمة حاليًا، حيث انتهت معظم بنوده، خاصة فيما يتعلق بالتعاون في الملء الأول للسد، والذي تم بالفعل. وبالتالي، فإن ما تبقى هو التعاون في تشغيل السد، وهو ما يزال يتطلب التنسيق بين الدول الثلاث.
إلا أن ما يعقد الأمور أكثر هو دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، حيث أن هذه الاتفاقية تسمح لدول المنبع بإقامة مشروعات مائية دون الرجوع لدول المصب. هذا يعني أن إثيوبيا قد تعلن في أي لحظة عن بناء سد جديد، دون الحاجة للتشاور مع مصر أو السودان، مما يزيد من تعقيد الأزمة الحالية.
الضرر المحتمل لمصر والسودان
من أبرز الأضرار التي قد تلحق بمصر والسودان جراء هذه الاتفاقية، هو تفاقم الانقسام بين دول حوض النيل، مما يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق شامل يضمن حقوق الجميع. بالإضافة إلى ذلك، فإن دول المنبع قد تستغل الاتفاقية لإقامة مشروعات جديدة تؤثر على حصة دول المصب من المياه، مما يعمق الأزمة المائية التي تعاني منها المنطقة بالفعل.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد د. شراقي أن مصر لا تزال تمتلك أوراق ضغط يمكنها استخدامها لمنع تنفيذ أي مشروع جديد قد يضر بمصالحها، من بينها التحركات الدبلوماسية والقانونية على الصعيد الدولي.
ختامًا: ما هي الخيارات المتاحة أمام مصر؟
مع دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ واستمرار أزمة سد النهضة، تبدو الخيارات المتاحة أمام مصر محدودة لكنها مهمة. يمكن لمصر أن تعتمد على الحلول الدبلوماسية والقانونية، بالإضافة إلى تكثيف جهودها في التفاوض مع إثيوبيا ودول المنبع الأخرى لضمان عدم الإضرار بحقوقها المائية. كما يجب أن تعمل مصر على تعزيز علاقاتها مع الدول والمنظمات الدولية لزيادة الدعم لموقفها في هذه القضية المصيرية.
في النهاية، تبقى مياه النيل شريان الحياة لدول المصب، وأي تهديد لهذه المياه يمثل تهديدًا لمستقبل شعوبها.
وأكد أن رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق زيناوي، لم يكن يهمه أن يحقق التنمية لبلاده عندما قرر زيادة حجم سد النهضة، ولكنه كان يستهدف إنشاء سد يضاهي السد العالي أو أكبر منه، حتى يخلد اسم زيناوي تشبهاً بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر.