تحديات غير مسبوقة.. لماذا تأجل مؤتمر الحوار الوطني في سوريا؟ – قناة مصر اليوم
بعد شهر من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، لا تزال سوريا تواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، وهو ما قد يبرر تأجيل مؤتمر الحوار الوطني الذي يشكل تحديًا كبيرًا للإدارة السورية الجديدة من أجل ضمان «التمثيل الشامل» لكل مكونات المجتمع.
وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني أكد أن «التريث» في عقد مؤتمر الحوار الوطني جاء «حتى يتسنى تشكيل لجنة تحضيرية موسعة تستوعب التمثيل الشامل لسوريا من كل الشرائح والمحافظات، والتي ستكون حجر أساس في إنشاء الهوية السياسية لسوريا المستقبل».
ورغم أن بعض المحللين يعتبرون أن قرار التأجيل خطوة إيجابية، إلا أن البعض الآخر يرى أن عدم عقد المؤتمر الوطني وعدم تحديد موعد معين لتنظيم الحدث مستقبلاً، يأتي بسبب عدم استقرار الأمور بشكل تام داخل البلاد خاصة في شمال سوريا حيث لا تزال الاشتباكات جارية بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، التي تمثل وحدات الشعب الكرية عمودها الفقري، وبين فصائل مسلحة موالية لتركيا.
عملية سياسية شاملة
التحدي الأول هو سياسي بامتياز ويتعلق بمدى قدرة الإدارة الجديدة وعلى رأسها أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام التي قادت الفصائل المسلحة للإطاحة بالأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على توحيد الموقف السوري وجمع كل الفصائل على موقف واحد بعد 13 عامًا من الحرب الأهلية.
محمد نادر العمري وهو كاتب وباحث سياسي، قال في مقابلة مع «مصر اليوم» إن الحكومة الجديدة في سوريا هي حكومة انتقالية ومؤقتة و«لا تتمتع بالخبرة الكافية مقارنة بجحم الإرث الذي تركه النظام السابق».
وأشار إلى أن أحد أهم التحديات السياسية هو مدى قدرة المجتمع السوري على إفراز مكونات أو كوادر قادرة على التعامل مع الأزمات الراهنة.
وأضاف للغد: «إذا لم يكن مؤتمر الحوار الوطني شاملاً وشفافاً ويشهد مشاركة دولية وإقليمية، فإنه لن يكون إيجابيًا»، مشيرًا إلى أن الظروف الحالية في سوريا تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى لا تكون نتائج المؤتمر سلبية خاصة في حال عدم دعوة كل الأطراف.
أطراف دولية وإقليمية
وأبلغ دبلوماسيون ومبعوثون الإدارة الجديدة في سوريا في الأيام القليلة الماضية أنه من الأفضل عدم التسرع في عقد المؤتمر لتحسين فرص نجاحه بدلا من التوصل إلى نتائج متباينة، بحسب «رويترز».
وحسبما ذكرت مصادر لرويترز في وقت سابق، لم تقرر الحكومة الجديدة بعد موعداً للمؤتمر. وقال عدد من أعضاء جماعات المعارضة في الآونة الأخيرة إنهم لم يتلقوا دعوات.
كما أوضح العمري أن الحكومة الجديدة في سوريا يتعين عليها قبل عقد أي مؤتمر وطني، طمأنة الأطراف الدولية والإقليمية بشأن الأوضاع في البلاد واستقرارها، وهو ما قد يعزز الثقة في العملية السياسية.
ولكن مشاركة أطراف دولية أو إقليمية في المؤتمر الوطني السوري، قد يشكل تحديدًا بشأن عدم تدخل هذه الأطراف في العملية السياسية أو طرح أي شروط تمنح أفضلية لمكون دون الآخر خاصة في ظل التدخل التركي بشمال البلاد.
التهديد التركي
وتهدد تركيا بشن هجوم عبر الحدود في شمال شرق سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية -العنصر الرئيسي في قوات سوريا الديمقراطية، إذا لم تلبّ الجماعة مطالب أنقرة.
وترى تركيا أن وحدات حماية الشعب امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يرفع راية التمرد في وجه الدولة التركية منذ 1984، وتعتبره مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية.
وما بين 2016 و2019، نفّذت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية، ونجحت بفرض سيطرتها على منطقتين حدوديتين واسعتين داخل سوريا.
أزمة «كل الأطراف»
ورغم أن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، التقى في وقت سابق وفداً من قوات سوريا الديمقراطية، وجرت محادثات «إيجابية»، إلا أنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى تفاهم بحل هذه القوات ودمجها مع الفصائل الأخرى في سوريا.
وفي هذا الشأن، يقول الكاتب والمحلل السياسي حسام شعيب، لقناة مصر اليوم، إنه لا تزال هناك «أزمة لدى كل الأطراف» في سوريا وهو ما قد يمنع تمثيل كل المكونات السورية في المؤتمر السوري.
وأكد شعيب على أن المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني يجب أن تكون «مدنية ووطنية بامتياز» وليس على أساس أقليات أو طوائف. وأوضح أنه ليس من المقبول أن تشارك فصائل لا تزال تحمل السلاح في المؤتمر الوطني، وإلا سيكون الأمر بمثابة «ابتزاز سياسي» على حد تعبيره.
وطالب شعيب بدمج كل الفصائل وخاصة القوات الكردية قبل الانخراط في المؤتمر دون الاعتماد على أي ثقل طائفي أو عسكري.
وأشار إلى أن تأجيل عقد المؤتمر يأتي لإعطاء فرصة جديدة لتمثيل جميع المكونات السورية، لاسيما أن البلاد أمام «عمل وطني» قد يشهد أحد أهم الأمور التي يتفق عليها السوريون منذ أكثر من نصف قرن، في إشارة إلى حقبة آل الأسد في حكم البلاد.
داعش وفلول الأسد
التحدي الآخر الذي يواجه سوريا هو أمني، خاصة فيما يتعلق بعودة ظهور تنظيم داعش الإرهابي بالإضافة إلى الملاحقات التي تتم ضد فلول النظام السابق، والتي أحدثت اضطرابات في البلاد خلال الفترة الماضي.
ومنذ سقوط الأسد، بدأت المخاوف تتزايد من تمكن داعش من إعادة تنظيم صفوفه في البلاد مستغلاً الأوضاع الراهنة.
وقبل أيام من سقوط الأسد، قال قائد قسد مظلوم عبدي، إن قواته رصدت زيادة في تحركات تنظيم داعش في البادية السورية وريف دير الزور والرقة.
وبالفعل ظهر داعش بشكل واضح بعدها حينما أعدم 54 عنصرا من الجيش السوري أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أكد آلدار خليل، عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، في تصريحات خاصة إلى قناة مصر اليوم، أن داعش «لا يزال موجودًا» في البلاد.
وأعلن البنتاغون أنّ طائراته أغارت على أكثر من 75 هدفا لتنظيم داعش في سوريا، بهدف منع التنظيم من تنفيذ عمليات خارجية وضمان عدم سعيه للاستفادة من الوضع الحالي لإعادة تشكيل نفسه.
وارتكب تنظيم داعش العديد الجرائم في سوريا خلال السنوات الماضية، ويشكل ظهوره مرة أخرى تحديًا قد يعوق الاستقرار في البلاد.
تخوف آخر يشغل بال السوريين وهو ملاحقة ما باتوا يعرفون بـ«فلول نظام الأسد» بعدما أصبحوا يمثلون تهديدًا للأمن العام. وقد أطلقت إدارة العمليات العسكرية السورية بالفعل عمليات ملاحقة في الفترة الأخيرة وتم ااعتقال عشرات من عناصر النظام السابق.
عقوبات وأصول مجمدة
يأتي ذلك فيما تواجه سوريا تحديات اقتصادية ضخمة، أبرزها العقوبات التي تم فرضها على النظام السابق، ما أثقل كاهل الاقتصاد وأدى إلى تدهور العملة المحلية بشكل غير مسبوق.
ورغم أن الولايات المتحدة أصدرت مؤخرًا رخصة عامة لسوريا تسمح لها بإجراء معاملات مع مؤسسات حكومية ومعاملات الطاقة والتحويلات المالية الشخصية، إلا أن ذلك ليس كافيًا في الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد خاصة بعد أكثر من 10 أعوام من الحرب الأهلية.
وأظهرت بيانات نشرها مصرف سوريا المركزي، منذ يوميبن فقط، وصول السعر الرسمي للدولار إلى 13065 ليرة، مقارنة مع 47 ليرة للدولار في مارس/ آذار 2011 عندما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد، وفقا لبيانات مجموعة «بورصات لندن».
وأظهر موقع شركة «كرم شعار» للاستشارات المالية ارتفاع أسعار الصرف في السوق السوداء إلى 22 ألفا في وقت سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، لكنها انخفضت أمس الأول إلى 12800.
يأتي ذلك فيما قال رئيس الوزراء المؤقت محمد البشير إن احتياطيات النقد الأجنبي قليلة للغاية. وقالت مصادر لوكالة «رويترز» إن خزائن المصرف المركزي تحتوي على نحو 200 مليون دولار بالإضافة إلى 26 طنا من الذهب بقيمة 2.2 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.
وهذا أقل بكثير من الاحتياطيات البالغة 18.5 مليار دولار التي قدرها صندوق النقد الدولي في عام 2010، وأقل من الحد الأدنى الآمن الذي يغطي واردات البلاد لمدة ثلاثة أشهر.
وجمدت حكومات غربية أصولا سورية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات منذ بدء الحرب، ولكن من غير الواضح قيمة هذه الأصول ومكانها. وقالت الحكومة السويسرية إن قيمة الأصول السورية المجمدة في البلاد تبلغ نحو 99 مليون فرنك سويسري (112 مليون دولار).
وفي أبريل نيسان، قدّرت منصة «سيريا ريبورت» في نشرة لها قيمة الأصول المجمدة في المملكة المتحدة بنحو 163.2 مليون جنيه إسترليني (205.76 مليون دولار).
المطالبة برفع العقوبات
ومنذ سقوط الأسد، تطالب الحكومة الجديدة برفع العقوبات عن سوريا واستعادة الأصول المجمدة في الخارج.
كما أصابت الحرب الأهلية السورية والعقوبات القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، قطاع الطاقة في البلاد بالشلل، ما جعل سوريا تعتمد بشكل كبير على الواردات من إيران.
لم تصدر سوريا النفط منذ أواخر عام 2011 عندما دخلت العقوبات الدولية حيز التنفيذ على البلاد، وأصبحت تعتمد على واردات الوقود من إيران للحفاظ على استمرار إمدادات الكهرباء.
وكانت دمشق تنتج قبل العقوبات نحو 383 ألف برميل يوميا من النفط ومشتقاته، بحسب تحليل سابق لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وأشارت تقديرات من شركة «بي.بي» ومعهد الطاقة إلى أن إنتاج الغاز الطبيعي هبط من 8.7 مليار متر مكعب في عام 2011 إلى ثلاثة مليارات متر مكعب في 2023.
كما أظهرت تقديرات أخرى من معهد الطاقة أن إنتاج النفط ومشتقاته انخفض إلى 40 ألف برميل يوميا في عام 2023.
وتعاني سوريا أيضًا من نقص حاد في الكهرباء، ويرجع هذا في الأساس إلى نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات الطاقة.
زيادة الرواتب وعجز الموازنة
وفي مواجهة كل هذه التحديات التي يعاني منها الشعب السوري، تعتزم الحكومة الجديدة زيادة رواتب العديد من موظفي القطاع العام 400% الشهر المقبل بعد استكمال إعادة الهيكلة الإدارية للوزارات لتعزيز الكفاءة والمساءلة.
وقال وزير المالية السوري في الحكومة المؤقتة محمد أبازيد إن كلفة زيادة الرواتب تقدر بنحو 1.65 تريليون ليرة سورية (نحو 127 مليون دولار بسعر الصرف الحالي)، وستُمول من خزانة الدولة الحالية ومساعدات إقليمية واستثمارات جديدة والجهود الرامية إلى فك تجميد الأصول السورية الموجودة حاليا في الخارج.
كما أعلن أبازيد أن عجز الموازنة في 2025 الذي أقره النظام السابق يبلغ نحو 12 تريليون ليرة (923 مليون دولار).
وبشكل عام، انكمش اقتصاد سوريا بنسبة 85% خلال الحرب الأهلية، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 67.5 مليار دولار في 2011 إلى 8.98 مليار فقط في 2023، بحسب تقديرات البنك الدولي، ما يشكل عبئًا ثقيلاً أمام الإدارة الجديدة لإعادة بناء اقتصاد قوي.