اليوم التالي الذي لم يتوقعه نتنياهو
![](https://misryoum.com/wp-content/uploads/2025/01/default-1-1737547861-780x470.jpeg)
ما حدث في ساحة تسليم الأسيرات الإسرائيليات لم يكن يتصوره أحد
داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي كان المشهد مروعا، العديد من وزراء اليمين الصهيوني المتطرف ينحنون جانبا ومعهم عديد من طاقم السكرتارية في المجلس ويبكون جميعا جراء توقيع اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة، فقد اعتبر الكثير من الوزراء ثمانية على الأقل أنه اتفاق استسلام وإذعان لحماس وإعلان لهزيمة إسرائيل بعد أطول حرب في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.
لم يكن هذا المشهد في مخيلة رئيس وزراء العصابة الصهيونية بنيامين نتنياهو وهو يعلن الحرب على غزة قبل أكثر من 15 شهرا، ولم يأت في ذهنه وعقله أن يصبح اليوم التالي للحرب المدمرة على غزة بمثل هذا السوء داخل مجلس وزرائه بل اتسعت أحلام نتنياهو إلى غزة بدون حماس ولا مقاومة وإدارة لها شبيهة بالإدارة الفلسطينية في الضفة الغربية ورام الله، ولم يكن هذا المشهد الوحيد الذي لم يتوقعه مجرم الحرب نتنياهو.
قبل أن يأتي اليوم التالي الذي لم يتوقعه رئيس وزراء الكيان وكل من وقف معه خاصة بايدن ووزير الخارجية الأمريكي، وبمجرد إعلان الهدنة كانت أرض غزة والمخيمات الفلسطينية في لبنان والأردن تبتهج وتصدح بالتكبير، ويخرج الآلاف من الفلسطينيين في مسيرات واحتفالات بتوقيع الاتفاق، وتمتلئ الساحات في كل أرض فلسطين بالمحتفلين والمكبرين “الله أكبر الله أكبر ولله الحمد”.
ومع بدء الاتفاق وإيقاف الطيران الصهيوني في سماء غزة كانت الأرض على موعد مع مشهد لم يخطر ببال حكومة اليمين المتطرف التي تدير الكيان الصهيوني، فقد بدأت مجموعات من كتائب عز الدين القسام تنتشر في مدن وأحياء غزة بزيها المميز وشاراتها الملونة بالأخضر وخلفها كانت جموع من الشعب الفلسطيني الذي يثبت في كل لحظة أنه بالفعل شعب الجبارين.
ساحة التسليم
ما حدث في ساحة تسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث بوسط مدينة غزة لم يكن يتصوره أحد في الكيان الصهيوني ولا نبالغ إذا قلنا إنه لم يتوقعه أحد على الإطلاق؛ فقد سبق التسليم ظهور كتائب المقاومة في زيهم العسكري الذي تميز بالأناقة الشديدة والمظهر البراق، وكأن آثار خمسة عشر شهرا من القتال قد طارت عن كل شيء خلال ساعات قليلة.
عربات وسيارات ضخمة تحمل المقاومين والأسرى كأنها خرجت للتو من مصانعها، يفرك الصهاينة سياسيين وكتّابًا، مستوطنين ومتابعين أعينهم مما يرون، هل هؤلاء كانوا يحاربون طوال هذه المدة، ويتصور الكثيرون أن هناك مصانع للملابس والشارات والسيارات كانت هناك تحت الأرض وفي الأنفاق، وفي نفس اللحظات تنتشر الشرطة في محيط غزة وبنفس العلامات البراقة والزي الجديد والشارات التي تعكس السيطرة على كل شبر من غزة.
يتحرك موكب الأسيرات في حماية قوات النخبة لكتائب القسام، وجوههن تعكس السمو الأخلاقي الذي عاملتهم به الكتائب، ويظهرن بملابس جديدة أيضا، وابتسامة امتنان على الوجوه، ويحيط بأعناقهن وشاح مرسوم عليه العلم الفلسطيني، ويتقدم مندوب كتائب القسام ليمنح كل واحدة منهن هدية من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وشهادة أسيرة، بها البيانات الخاصة بها، ثم تجري وقائع التسليم والتسلم مع مندوب الصليب الأحمر، وسط حاضنة شعبية من أبطال الصمود الفلسطيني خلال حرب هي الأبشع والأكثر إجراما في العصر الحديث، الشعب الذي كان صموده وصبره عظيما وملهما للبشرية طوال مدة الحرب يخرج مساندا للمقاومة ومقدما المثل الأعلى في احتضان أبطاله.
كأن مراسم هذا التسليم إشارة أخرى للعالم إلى المنتصر ودلالة على فشل كل قوى البغي والطغيان في العالم في كسر شموخ وكبرياء شعب فلسطين الأبي، الصورة في محيط ساحة التسليم تجعل الغالبية من الصهاينة يشعرون بمرارة الهزيمة وما قاله بن غفير من أن الصفقة والاتفاق إذعان واستسلام أصبح يتردد على ألسنة سياسيين وكتّاب في كل الصحف العبرية الصادرة في الأرض المحتلة، لقد شعر الصهاينة بالصدمة من خروج الرهائن وسط حشد بوجود مقاتلي حماس، هذا ما أشارت إليه هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين هناك.
حاضنة شعبية
المؤكد أن نتنياهو لم يخطر بباله بعد كل جرائمه وطول مدة الحرب أن يجد في الشعب الفلسطيني في غزة من يردد اسم حماس والمقاومة، ولكن ها هي سيدة من فلسطين تعلن بفخر أنها قدمت أبناءها الثلاثة شهداء على طريق الحرية، وأنها رغم الآلام التي تشعر بها فإن أبناءها فداء لفلسطين والمقاومة، وأنها حتى لو بقيت وحيدة فهي على استعداد للتضحية مرة أخرى، وقالت السيدة في شموخ “طالما هناك سيدة تلد، وطفل يولد سنظل هنا وسنظل مع المقاومة حتى تحرير فلسطين وعلى طريق القدس والمسجد الأقصى”.
تلك الكلمات لم تكن تتردد للمرة الأولى ولم تكن الأخيرة، فقد قالتها أم لخمس شهداء، وقالها قيادي بحماس استشهد ستة من أبنائه، وقالها الشهيد إسماعيل هنية عندما استشهد أبناؤه وأحفاده بعملية اغتيال غادرة في يوم عيد، تلك المشاعر والكلمات التي تخرج من قلوب أهل غزة تعني أن حماس ليست حركة ومجموعة في غزة بل هي فكرة والفكرة لا تموت كما جاء على لسان أم الشهداء في فيديو يعكس تجذر فكرة المقاومة، وعقيدة الإيمان والتضحية في قلوب أهل فلسطين.
بل إن أحد السياسيين الصهاينة قال تعقيبا على مشاهد الحضور الشعبي في الساحات “إن حماس ليست في غزة فقط بل في كل فلسطين، كنا نأمل في إبعادها عن غزة فإذا بها تتمدد إلى كل فلسطين”، ومن جانبي أقول له إنها في كل الأمة العربية وفي قلب كل حر.
لم يفكر رئيس وزراء الكيان الصهيوني وهو يتخيل اليوم التالي لحربه هو وأمريكا وبريطانيا وألمانيا وهولندا على غزة أنه في ظهيرة هذا اليوم سيجد أطفال غزة ينشدون أغاني المقاومة والفرحة بالانتصار ودعم المقاومين، ولم يتصور أن يجد بقايا آلياته وقد أصبحت مسرحا لألعاب أطفال غزة يرقصون على أطلالها ويلعبون داخلها ويقومون بتصوير فيديوهات ساخرين من آلياته قائلين إنها المقلوبة بطريقة المقاومة، في إشارة إلى أكلة فلسطينية شهيرة اسمها المقلوبة.
أما هذا المشهد لرجل يقارب السبعين من عمره جالسا على كرسي أمام بقايا منزله مشعلا سيجارة ويحتسي كوبا من الشاي، فالمؤكد أن المشهد قد زاد من آلام نتنياهو وجعله يصرخ راجيا ترامب أن يسمح له باستئناف الحرب بعد المرحلة الأولى للهدنة، بالتأكيد لا ثقة في ترامب العائد بحلم الإمبراطورية العظمي وسيدة العالم أمريكا، ولا ثقة في نتنياهو الذي لن يتوقف حتى القضاء على كيانه الزائف وهذا وعد الحق ووعد المقاومين.
مثل هذا المشهد كانت مشاهد عودة أهل غزة إلى منازلهم وبدء عمليات إزاحة الركام بين المباني وداخلها، ثم ظهور الجرافات وهي تمهّد الطرق وتزيل بقايا الهدم والتدمير عن شوارع غزة، تلك الجرافات التي كانت صادمة للمجتمع الصهيوني فجعلته يتساءل: أين كانت تلك الجرافات والسيارات بعد كل هذا القصف الذي دمر كل شبر في غزة؟ لكنهم لا يعرفون شعب فلسطين، ويبدو أن بعضا من العرب والمسلمين لا يعرفونه أيضا.
مشاهد كثيرة لم يتصورها نتنياهو في اليوم التالي للحرب على غزة ولكنها جاءته كالصاعقة كما جاء خطاب الملثم “أبو عبيدة” في السادسة مساء اليوم ذاته مؤكدا نصر المقاومة ومعددا إنجازات أبطال القسام وكل فصائل المقاومة الفلسطينية، وشاكرا المقاومة الإسلامية في لبنان وإيران والعراق وفي اليمن الذي لم تتوقف صواريخه إلا قبل ساعات من سريان الاتفاق، ومذكرا بشهداء المقاومة ومصابيها، ومؤكدا استمرار الكفاح حتى تحرير كل الأرض العربية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وأنه لجهاد نصر أو استشهاد.